وفي مقابلة هذه العقوبة الصارمة المشددة أحاط المشرع الكريم إثبات جرائم الحدود بشيء من التدقيق والحذر، وزاد في أمر التثبيت والنظر دون ما هو معهود في غيرها من الجرائم أو الدعاوى، بل إنه في بعضها زاد من عدد الشهود حتى يلائم التشدد في الإثبات شدة العقوبة المقدرة على مقترنها.
فمع هذه الشدة في العقوبة وهذا الحذر في الإثبات هل تفيد القرائن في إثبات الحدود، وهل جعلها الشرع طريقا لإثباتها؟
لم يأخذ بالاعتداد بالقرائن في إثبات الحدود إلا مالك وأصحابه وابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ورواية عن الإمام أحمد، وهو أيضا المستفاد من قول ابن الغرس- من فقهاء الحنفية- حيث قال:(القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به) فلم يفصل بين الحد وغيره مما يدل على أنه أراد التعميم.
أما جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية فيقولون إن الحدود لا تثبت بالقرائن، ولا تثبت إلا بما حده الشرع من طرق وليست القرائن من بين هذه الطرق.
بيد أن القائلين بجواز إثبات الحدود بالقرائن لم يتركوا الاقتناع بقوة القرائن لفهم القاضي واستنباطه، إنما نصوا على قرائن معينة ذكروها على سبيل الحصر، وقالوا بجواز إثبات الحد بهذه القرائن، أما غير هذه القرائن فلا يثبت بها الحد، والقرائن التي نصوا عليها هي: قرينة الحمل في الزنا، والتعريض مع دلالة الحال في القذف، والرائحة والسكر والقئ في الخمر، ووجود المسروق مع السارق في جريمة السرقة.