للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة من الكتاب والسنة:

أولًا: إن الآيات الواردة بخصوص حرمة الظلم وتحقيق العدالة، وكذلك الأحاديث الواردة في ذلك أكثر من أن تحصى، يكفي أن نذكر آية الربا حيث تقول: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] قال الجصاص: " يعني أن إبطال ما بقي من الربا لا يبطل رأس المال، بل هو دين عليه يجب أداؤه" (١) ، بل إن المفسرين قالوا: إنه إذا أبطل الربا بين المتعاملين يجب على المدين الإسراع بدفع رأس المال فورًا ما دام قادرًا (٢) ، وأن الدائن له الحق أن يأخذ حقه دون رضا المدين، قال الجصاص: " قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} قد اقتضى ثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين وجواز أخذ رأس مال نفسه منه بغير رضاه؛ لأنه تعالى جعل اقتضاءه ومطالبته من غير شرط رضا المطلوب، وقوله تعالى: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} يعني - والله أعلم -: لا تَظْلِمُونَ بأخذ الزيادة، ولا تُظْلَمُونَ بالنقصان من رأس المال، فدل ذلك على أنه مَن امتنع من أداء جميع رأس المال إليه كان ظالمًا له مستحقًا للعقوبة" (٣)

فهذه الشريعة تقوم أساسًا على العدل والميزان، كما أن السماوات والأرض تقوم على ذلك، يقول ابن القيم: " فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه " (٤) ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " والأصل في العقود جميعها هو العدل، فإنه بعثت به الرسل وأنزلت الكتب " (٥) .


(١) أحكام القرآن للجصاص، ط. دار الفكر: ١ / ٤٧٣.
(٢) المحرر الوجيز، ط. قطر: ٢ / ٤٩٠.
(٣) أحكام القرآن للجصاص: ١ / ٤٧٤؛ ويراجع أحكام القرآن لابن العربي، ط. دار المعرفة: ١/ ٢٤٥؛ وتفسير الماوردي، ط. الكويت: ١ / ٢٩٢.
(٤) إعلام الموقعين، ط. النهضة المصرية ١٩٦٨: ٣ / ٣.
(٥) مجموع الفتاوى، ط. السعودية: ٢٠ / ٥١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>