للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معيار التغير الفاحش أو الانهيار:

قبل أن نذكر هذا المعيار، نرى فقهاءنا الكرام قد وضعوا عدة معايير لمقدار الغبن الفاحش الذي يعطي الخيار في الفسخ عندما يقع في البيع ونحوه.

يقول القاضي ابن العربي، والقرطبي وغيرهما: "استدل علماؤنا بقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: ٩] على أنه لا يجوز الغبن في معاملة الدنيا؛ لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة، وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا، حيث أفتيا برعاية القيمة في مسألة السكة يوم القرض " (١) .

بل إن كثيرًا من العلماء ذهبوا إلى اعتبار القيمة يوم العقد، ونشأة سبب الضمان في مسائل كثيرة، فقد ذكر لنا ابن نجيم منها المقبوض على يوم الشراء، فالاعتبار لقيمته يوم القبض أو التلف، ومنها المغصوب القيمي إذا هلك، فالمعتبر قيمته يوم غصبه اتفاقًا، وكذلك المغصوب المثلي إذا انقطع عند أبي يوسف، ومنها المقبوض بعقد فاسد تعتبر قيمته يوم القبض؛ لأنه بدهًا دخل في ضمانه، ومنها العبد المجني عليه، تعتبر قيمته يوم الجناية، ومنها: ما لو أخذ من الأرز والعدس ونحوها، وكان قد دفع إليه دينارًا مثلًا، لينفق عليه، ثم اختصما بعد ذلك في قيمة المأخوذ، قال في اليتيمة: تعتبر قيمته يوم الأخذ (٢) .

وذكر السيوطي أمثلة كثيرة جدًا، روعيت فيها القيمة يوم القبض، منها مسألة ماء التيمم، في موضع عزّ فيه الماء، حيث تراعى قيمته في ذلك الموضع في تلك الحالة على الصحيح عند جمهور الأصحاب، وكذلك الطعام والشراب حالة المخمصة، ومنها مسألة المبيع إذا تخالفا وفسخ وكان تالفًا، يرجع إلى قيمته يوم التلف على رأي؛ لأنه مورد الفسخ، ويوم القبض على رأي آخر؛ لأنه وقت دخول المبيع في ضمانه، وما يعرض بعد ذلك من زيادة أو نقصان فهو ملكه، ومنها المستعار إذا تلف تعتبر قيمته يوم القبض على وجه، وكذلك المقبوض على جهة السوء، إذا تلف (٣) .


(١) المعيار المعرب: ٦ / ٤٦١ – ٤٦٢.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص ٣٦٢ – ٣٦٤.
(٣) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص ٣٦٨ – ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>