للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورود الأحكام الخمسة على الصلح:

والتحقيق أن الصلح يرد عليه الأحكام الخمسة من الوجوب، والندب، والكراهة والحرمة والإباحة، قال العلامة ابن عرفة: "وهو - أي الصلح- من حيث ذاته مندوب إليه، وقد يتعين وجوبه عند تعيين مصلحة، وحرمته وكراهته، لا تلزمه مفسدة واجبة الدرء، أو راجحته" (١) ، قال الخطابي: "وقد نقل بعض عن بعض قضاة طرابلس جبر الخصوم والتزامهم بالصلح" (٢) .

وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفضل رد الخصوم إلى الصلح ويأمر ولاته بذلك، فقال: "ردوا الخصوم يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بني الناس" (٣) .

فتبين من قول ابن عرفة أن الصلح قد يصبح واجبًا إذا تعينت المصلحة لذلك، كما يفهم من قول عمر رضي الله عنه أولوية الصلح، وأن اللجوء إلى القضاء يأتي بعد اليأس من التصالح، بل إن القاضي يندب له أن يرد الخصوم إلى الصلح، فإن لم يصطلحوا يفصل بينهم؛ وذلك لأن فصل القضاء قد يؤدي إلى اللجوء إلى وسائل غير مشروعة وشهادات زور وغير ذلك عندما تأخذ الخصم العزة بالإثم، إضافة إلى أنه يؤدي إلى الأحقاد والضغائن، في حين أن التصالح يؤدي إلى التآلف والتراضي.

ويأتي عند حديثنا عن موضوع البحث مذهب الحنفية، ولاسيما المتأخرون حول الصلح الواجب، وبذلك يتبين لنا أن الصلح الواجب من حيث المبدأ قال به جماعة من الفقهاء، وتدل عليه الأدلة المعتبرة وسنة الخلفاء الراشدين ما دامت المصلحة يتعين تحقيقها بالصلح.


(١) مواهب الجليل: ٧ /٣.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) رواه عبد الرزاق في مصنفه: ٨ / ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>