للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيعة عقد الصلح بين الاستقلال والاتباع:

ثار الخلاف بني الفقهاء حول طبيعة عقد الصلح، هل هو عقد مستقل بذاته في شروطه وأحكامه؟ أم أنه عقد تابع لأحد العقود الموجودة في الفقه الإسلامي حسب طبيعة محل الصلح المعقود عليه؟

فذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه تابع في الأحكام والشروط للعقود القريبة حسب نوعية الصلح.

قال الزيلعي الحنفي: "وهذا، لأن الأصل في الصلح أن يحمل على أشبه العقود به فتجري عليه أحكامه؛ لأن العبرة للمعاني دون الصورة" (١) .

وقال الخليل: "الصلح على غير المدعي بيع أو إجارة، وعلى بعضه هبة، وجاز عن دين بما يباع به، وعن ذهب بورق وعكسه إن حلّا وعجل، كمائه دينار ودرهم عن مائتيهما، وعلى الافتداء من يمين أو السكوت أو الإنكار إن جاز على دعوى كل، وعلى ظاهر الحكم.. " (٢) .

وذكر الشافعية والحنابلة قريبًا مما سبق (٣) لكنهم أقل صراحة مما سبق.

فهذا النص وغيره ظاهر الوضوح في الدلالة على أن الصلح ليس عقدًا مستقلًا من حيث الأحكام والشروط، وإنما هو تابع لأحد العقود فهو قد يأخذ حكم البيع إذا كان صلح المعاوضة، بأن ادعى عليه دارًا فأقر بها، وصالحه منها على سيارة مثلًا، فهذا الصنف حكمه حكم البيع وإن عقد بلفظ الصلح، ويتعلق به جميع أحكام البيع كالرد بالعيب، والشفعة، والمنع من التصرف قبل القبض، واشتراط القبض في المجلس إن كان المصالح عليه والمصالح عنه متفقين في علة الربا، واشتراط التساوي في معيار الشرع إن كان جنسًا ربويًا.

وقد يأخذ حكم الإجارة إذا تم التصالح من الدار مثلًا على منفعة دار أخرى (٤) . وقد يأخذ حكم الهبة وذلك في صلح الحطيطة وهو الجاري على بعض العين المدعاة، كمن صالح من الدار المدعاة على نصفها، أو ثلثها، فيشترط لصحته القبول ومضي مدة إمكان القبض، ويصح بلفظ وما هو في معناها، وفي صحته بلفظ الصلح خلاف الأصح (٥) وهكذا.


(١) تبيين الحقائق: ٥ / ٣١؛ وحاشية ابن عابدين: ٤ / ٤٧٣.
(٢) مواهب الجليل: ٤ / ٣- ٩.
(٣) روضة الطالبين: ٤ / ١٩٣ – ١٩٤؛ والمغني لابن قادمة: ٤ / ٥٣٤.
(٤) المصادر السابقة؛ والروضة: ٤ / ١٩٣.
(٥) روضة الطالبين: ٤ / ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>