للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جانب آخر فإن دائرة الصلح واسعة جدًا تسع العين والدين، كما أنها تسع حالات الإقرار والإنكار، فالصلح عن الإنكار أجازه جمهور الفقهاء (١) ومع ذلك لا يمكن أن يكيف على أساس البيع ولا الإجارة، وإنما هو صلح لأجل قطع الخصومة (٢) ، كما أن الصلح عن المجهول جائز عند جماعة من الفقهاء، قال ابن قدامة: " ويصح الصلح عن المجهول سواء كان عينًا أو دينًا إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته " (٣) ، بل أجاز بعض الفقهاء منهم أبو الخطاب، وابن عقيل من الحنابلة التصالحَ بدفع العوض للكف عن الدعوى (٤) .

فدائرة الصلح أوسع بكثير من دائرة البيع، فالصلح جائز عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه، سواء كان مما يجوز بيعه أولا يجوز، عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع وغير ذلك (٥) . وحتى مسألة الدين أجاز الحنفية وأحمد - في رواية - الصلحَ عن المائة الثابتة في الذمة بالإتلاف بمائة مؤجلة، في حين أن هذه الصورة غير جائزة في بيع الدَّين بالدين (٦) إضافة إلى أن باب الصلح يسعى للتصالح في التزاحم على الحقوق ونحوها.

كل ذلك وغيره يدل على أن الصلح عقد مستقل لا يندرج تحت أي عقد من العقود بصورة كاملة، وإنما له أحكامه الخاصة، ولا يسع المجال لمزيد من التفصيل.


(١) تحفة الفقهاء: ٣ / ٤١٨؛ والمغني لابن قدامة: ٤ / ٥٢٧؛ والروضة: ٤ / ١٩٨، وشرح الخرشي: ٦ / ٤.
(٢) المصادر السابقة نفسها.
(٣) المغني: ٤ / ٥٤٢.
(٤) المصدر السابق: ٤ / ٥٤٩.
(٥) المغني: ٤ / ٥٤٥.
(٦) تبيين الحقائق: ٥ / ٣١؛ والمغني: ٤ / ٥٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>