للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلح الواجب في السنة:

تدل بعض الأحاديث الشريفة على الصلح الواجب أو المطلوب الذي يتم به قطع المنازعة، وتحقيق المصالحة، فقد ترجم البخاري باب الصلح بالدين والعين، ثم أورد حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج رسول الله إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى كعب بن مالك، فقال: ((يا كعب)) . فقال: لبيك يا رسول الله. فأشار بيده أن ضع الشطر: فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قم فاقضه)) . (١) قال ابن بطال: "اتفق العلماء على أنه إن صالح غريمه عن دراهم بدراهم أقل منها جاز إذا حل الأجل، فإذا لم يحل الأجل لم يجز أن يحط عنه شيئًا قبل أن يقبضه مكانه، وإن صالحه بعد حلول الأجل عن الدراهم بدنانير أو عن دنانير بدراهم؛ جاز، واشترط القبض" (٢) .

وترجم كذلك البخاري باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك، وقال ابن عباس: لا بأس أن يتخارج الشريكان، فيأخذ هذا دينًا وهذا عينًا، فإن توى لأحدهما لم يرجع على صاحبه (٣) .

وروى البخاري بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: وسمعت عائشة رضي الله عنها تقول: سمع رسول الله صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟)) . فقال: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب (٤) ، قال الحافظ ابن حجر: أي من الوضع أو الرفق، وفي رواية ابن حبان: فقال: إن شئت وضعت ما نقصوا، وإن شئت من رأس المال. فوضع ما نقصوا. وهو يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال، وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة، ثم قال الحافظ: " وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع، وطواعيتهم لما يشير به، وحرصهم على فعل الخير، وفيه جواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين. . " (٥) .


(١) صحيح البخاري، مع الفتح: ٥ / ٣١١.
(٢) فتح الباري: ٥ / ٣١١.
(٣) فتح الباري: ٥ / ٣١٠.
(٤) المصدر السابق: ٥ / ٣٠٨.
(٥) المصدر السابق: ٥ / ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>