للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رأيي أنه حتى لو قلنا بأن وجوب الصلح قد أتى بسبب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك لا يدل على أنه لو صدر أمر من ولي الأمر في حالة التضخم بوجوب الصلح فإنه حينئذ يجب التصالح بين الدائن والمدين، وحل مشكلتهما بالتصالح والتراضي، وإلا فيشدد الحاكم في الأمر، ويحكم على الطرف الممتنع بالحكم البيّن، مثلما حدث من النزاع بين الزبير ورجل من الأنصار، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك)) . فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((اسق، ثم احبس حتى يبلغ الجدر..)) ولذلك ترجم البخاري باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البين (١) .

ولكن الذي يظهر لي رجحانه أن هذا الأمر عام لا يحتاج إلى أمر الإمام وإشارته، وإنما هو خاص بالحالات التي لا يكون أحد الطرفين سببًا في المشكلة، بل تحدث بسبب آخر، مثلما يحدث في التضخم، حيث لا يعود السبب إلى أحد العاقدين، وإنما إلى أمور خارجة عن إرادتيهما، وحينئذ يجب التصالح بإزالة المظالم، والمشاركة في تحمل آثار التضخم.

وعلى ضوء ذلك فإذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين فإن أمامهما اللجوء إلى المحاكم التي لابد أن تحكم على ضوء تحمل الطرفين آثار التضخم حسبما يحقق العدالة، أو إلى التحكيم، وهذا ما أراه الراجح في هذا المقام. والله أعلم.


(١) صحيح البخاري، مع الفتح: ٥ / ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>