وفي ظل التطورات التي أصابت العملات الذهبية والفضية من غش أو رخص وغلاء أو إبطال أو استبدال من قبل الحكام في العصور الوسطى، كانت النقود المعدنية الرخيصة التي عرفت (بالفلوس) تتخذ أهمية متزايدة في عمليات التبادل في الأسواق، فزادت كميات النقود المعدنية الرخيصة وأصبحت تستخدم في إتمام صفقات كبيرة القيمة، بعد أن كان استخدامها مقصورًا على المبادلات الزهيدة القيمة، فأصبحت هذه النقود رغم انحطاط قيمتها الذاتية محلا للقروض وعقود المضاربة وسداد المعاملات الآجلة. ولابد أن سحب الأفراد للنقود المعدنية النفيسة من الأسواق والاحتفاظ بها أو الانتفاع بمعادنها؛ كان له أثره التدريجي في الالتجاء إلى المعادن الرخيصة لسك النقود وحتمية الاعتماد عليها بشكل متزايد في الوفاء بجميع الحقوق والالتزامات. ولقد بيّن بعض الفقهاء – مثل ابن تيمية رحمه الله – أن تداول النقود المعدنية الرخيصة والنقود الذهبية المغشوشة قد تسبب في حد ذاته في اختفاء النقود الذهبية والفضية الخالصة من التداول، وهذه القاعدة التي عرفت فيها بعد باسم قاعدة أو قانون جريشام.
ولا شك أن النقود المعدنية الرخيصة مثل المعدنية النفيسة استطاعت أن تؤدي وظيفتي الوساطة في التبادل وقياس القيم الحاضرة، ولكن هذه النقود كانت أقل نجاحًا في قياس القيم الآجلة، نظرًا لأن التغيرات التي تصيب قيمتها في الأجل الطويل كانت أحيانًا شديدة الحدة، على عكس النقود المعدنية النفيسة، وكذلك بالنسبة لوظيفة (مخزن الثروة أو القيمة) ، فهذه تتوقف على استقرار قيمة العملة في الأجل الطويل، فكلما تعرضت هذه للتدهور كانت العملة مخزنًا سيئًا للثروة أو القيمة، والعكس صحيح.
ولقد ميز فقهاء المسلمين النقود المعدنية الرخيصة بأنها (عرفية) أو (اصطلاحية) ؛ تفرقة لها عن النقود الذهبية والفضية التي عرفت بأنها ذات قيمة ذاتية أو نقود بالخلقة.