وفي عصر النقود المعدنية الرخيصة زادت مشاكل البيوع الآجلة والديون على مستوى المعاملات الفردية، كما نشأت مشاكل نقدية جديدة تمامًا على المستوى الكلي لم تكن معروفة من قبل. ففي عصر المعادن النفيسة لم تكن كمية النقود الكلية تزيد إلا بمقدار الزيادة في عرض هذه المعادن. ولم يكن هذا العرض يزداد كما هو معروف إلا عند اكتشاف مناجم جديدة للمعادن النفيسة، أو عن طريق التجارة الخارجية في بعض الظروف الملائمة لتحقيق فائض في ميزان التجارة. ولهذا كان من المعتاد غالبًا أن يتغير عرض النقود المعدنية ببطء على مدى الزمن. وبطبيعة الحال فإن هذه الصورة تغيرت شيئًا فشيئًا مع غش المعدن النفيس في أثناء عملية سك العملة. فكان عرض النقود المعدنية النفيسة التي دخل عليه الغش يزيد بمعدلات أكبر تبعًا لهذا العالم في حد ذاته. ولكن مهما كان الأمر فقد ظلت كمية النقود في تلك الظروف محكومة أو مقيدة بكمية المعدن النفيس التي لن يمكن إنقاصها تحت حدود معينة، حيث يستبان أمر الغش. أما في عصر النقود الرخيصة فقد زال عنصر الندرة الذي يميز المعدن النفيس، وأصبح من اليسير زيادة كمية النقود تبعا لحاجة الحكام، فزادت النقود مع زيادة إنفاق الأمراء على قصورهم، وزيادة أعداد جندهم، ومع اتجاههم للبذخ والإسراف. وفي ما كتبه المقريزي نجد زيادة كمية النقود الرخيصة أهم سبب وراء ارتفاع الأسعار المتتالي بشكل عام في مصر خلال عصره. ولقد كانت هذه المسألة النقدية في غاية الخطورة، إذ أنها كانت وراء تدهور القيمة الآجلة للعملات الرخيصة ومن ثَمَّ وراء فساد المعاملات الآجلة واضطراب العلاقات بين الدائنين والمدينين. وبينما اتجه البعض من العلماء إلى مهاجمة سلوك الحكام أو الأمراء الذي تسبب في تلك الظاهرة، إلا أن عامة الفقهاء اتجهوا إلى معالجة الآثار المترتبة على الظاهرة، فبحثوا حالات الكساد العام للعملة، والكساد المحلي وانقطاعها، وكذلك حالة غلاء ورخص العملة، ولا شك أن الأحكام الشرعية التي توصل إليها فقهاء المسلمين قديمًا في هذه الحالات لها أهميتها بالنسبة لأنواع أخرى من النقود العرفية أو الاصطلاحية التي استحدثت فيما بعد ذلك.