للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتطرق محيي الدين قره داغي في دراسة عن تذبذب النقود الورقية وأثره على الالتزامات على ضوء قواعد الفقه الإسلامي؛ إلى صميم المشكلة، ورفض أن تأخذ النقود الورقية أحكام الدنانير والدراهم لأنها مختلفة عنها، وذكر عشرة أسباب (١) لذلك من أبرزها: " أن الذهب والفضة نقدان ذاتيان ضامنان للقيمة في حد ذاتهما، في حين أن العملة الورقية نقد حسب العرف والاصطلاح اكتسبت قوتها في بدايتها (بداية عصر النقود الورقية) من غطائها الذهبي أو الفضي، والآن تكسبها من قوة الدولة وضمانها لها "، وأن " النقود الذاتية: الذهب والفضة، لا ينسي من نقديتهما وزنهما، باعتبار أن زيادة الوزن تدل بلا شك على زيادة القيمة "، بينما أن " النقود الورقية لا يلاحظ فيها الوزن قاطبة حتى تكون مثل الذهب والفضة في جميع الأحكام، ومن هنا قال الشافعي: " الذهب والفضة بائنان من كل شيء لا يقاس عليهما غيرهما "، وأن النقود الذاتية كالدراهم والدنانير حتى لو أغليت نقديتها بقيت مثليتها على عكس النقود الاصطلاحية "، وأن النقود الورقية كان لها (معيار) تتحدد به قيمتها حينما كانت مرتبطة بالذهب، أما بعد أن ألغى هذا الربط فبأي شيء ترتبط؟ ما هو المعيار الذي تتحدد به قيمة النقود الورقية؟ إذن فهي بحاجة إلى التقويم من خلال اعتبارات مختلفة. " أما النقود الذهبية والفضة، فلم يقل أحد أنها بحاجة إلى التقويم ". وإن مشكلة التضخم في حد ذاتها وليدة نظام النقود الورقية. حيث أسرفت الحكومات في إصدارها، ولم تكن تستطيع أن تفعل هذا لو كانت النقود ذهبية أو فضية. وأن ما قاله المقريزي في شأن الغلاء الذي حدث في بعض العصور الإسلامية بسبب الإسراف في سك الفلوس، والاعتماد عليها في كافة المعاملات بصفة أساسية بدلًا من الذهب والفضة، وما جره ذلك من محن وبلايا؛ قد تحقق أكثر منه في عالم النقود الورقية. " ولم يعد الإنسان يطمئن إلى هذه النقود ولم تصبح مخزنًا " للثروة، ولا قيما يقاس بها الأموال، بل أصبحت السلع هي المعيار لها " (٢) .


(١) محيي الدين القره داغي، المسلم المعاصر، العددان (٥١، ٥٢) ، ص ١٢٥ – ١٣٤، مارس (١٩٨٨م) .
(٢) المصدر السابق، ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>