ويقول السرخسي: إن المراد بالمماثلة في النقدية المماثلة في الوزن (١) . وهذه حقيقة تستند إلى نص شرعي ثابت. فالذهب والفضة من الأصناف الربوية الستة التي ذكرت في حديث الربا. فالحقيقة التي لا تقبل الجدل أن المثلية في الذهب والفضة، سلعتين كانتا أو نقدين إنما تتحدد بالوزن، وأن عدم الالتزام بهذا المفهوم يعني الوقوع في الربا، وإذن فليس الشكل أو الصورة أو القيمة الاسمية المكتوبة على قطعة النقد الذهبية أو الفضية هي التي تحد مثيلتها.
والقول بأن المثلية في النقدين اعتمدت على العدد فقط يجانب الصواب، فالمعدود لا يعد مثليًا عند فقهاء المسلمين إلا إذا تساوى آحاده. فإذا قلنا: إن التساوي يكون بالشكل أو بالقيمة الاسمية للعملة الذهبية أو الفضية فقط، وقعنا في الغلط، حيث إذا لم يكن الوزن متساويًا تمامًا في الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة وقع الربا.
والآن فإن القول بأن النقود الورقية مثلية كما كان الأمر بالنسبة للنقدين يجانب الصواب كثيرًا؛ ذلك لأن قياس النقود الورقية على النقدين في هذا الصدد أصلًا، أو من هذه الزاوية لايصح، فالنقد الورقي ليس له وزن، وليس له عيار يعرف به إلا عن طريق قياس قيمته الحقيقية، والتي تتمثل في قدرته الشرائية، وهذه لا تتحدد إلا بمعرفة أسعار الأشياء الأخرى. أما العدد في النقد فلم يكن أبدا أساسًا لمثلية الدنانير أو الدراهم، وإنما كان دليلًا صادقًا لهذه المثلية طالما حددت الأوزان بدقة وأمانة واستقرت على حال واحد. وكذلك فإن العدّ للنقد الورقي، والذي هو مرتبط فقط بمواصفاته الشكلية لا يمكن أن يكون أبدًا أساسًا لمثلية النقد الورقي.
فهل يعني ما سبق أن النقود الورقية قيمية وليست مثلية؟ الواقع أننا إذا قلنا: إنها قيمية على الإطلاق فقد جانبنا الصواب، وكذلك إذا قلنا: إنها مثلية على الإطلاق فقد جانبنا الصواب أيضًا، إن النقود الورقية مثلية بشروط وبغيرها تصبح قيمية، إنها مثلية طالما كنت الأسعار مستقرة أو شبه مستقرة، وذلك بالرغم من أنها – أي النقود الورقية - ليس لها قيمة ذاتية مثل النقدين.