للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا – بعض من الاقتصاديين الإسلاميين يرى أن وجود نظام اقتصادي إسلامي يمثل الحل الأمثل، حيث تنتهي في ظل هذا النظام مشكلة التضخم؛ لأسباب عديدة منها إدارة عرض النقود وفقًا لاحتياجات النشاط الإنتاجي الحقيقي، ومنها منع البنوك من إصدار نقود ائتمانية، ولكن هناك اعتراضات على هذا الرأي، منها أن البلدان الإسلامية قديمًا في ظل ظروف أفضل، سواء من جهة الالتزام بالشريعة أو من الجهة الاقتصادية العامة عانت من التضخم، وبالتالي عانت من مشكلة التدهور في القيمة الحقيقية لنقود، ولعل إفتاء الفقهاء في القرن الثاني الهجري في حالات غلاء ورخص النقود الاصطلاحية دليل على ذلك. وحتى لو فرضنا أن النظام الاقتصادي الإسلامي إذا نُفّذ بطريقة مثلى سوف يقلل من حدة المشكلة ويجعلها غير ذات أهمية، فمتى يتحقق هذا في بلادنا؟ وهل نترك المشكلات التي ترتبت على غير ذلك الوضع الأمثل بدون حل في هذه الظروف؟ هل هذا يتفق مع العدالة التي تنشدها الشريعة الإسلامية؟ وإذن فإن من الواجب أن يحمّل علماء المسلمين الحكومات القائمة حاليًا في البلدان الإسلامية مسئولية معالجة مشكلة التدهور في القيمة الحقيقية للنقود، بدلًا من انتظار أمر قد لا يتحقق في معظم البلدان الإسلامية قبل عشر سنين أو ربما أكثر.

رابعًا – مع التسليم بضرورة معالجة التضخم نفسه، فإنه بناء على الآراء والمناقشات التي سبق بيانها في عرض مبدأ التعويض (الصفحات السابقة) نرى أنه لا غنى عن هذا المبدأ لدرء المفاسد وتحقيق المصالح في إطار العدالة. ولكن التسليم بمبدأ التعويض أمر، وتطبيقه في الواقع العملي لتحقيق أهدافه أمر آخر. من هنا يجب أن نتخذ كافة الاحتياطات حتى لا يساء استخدام المبدأ أو يكون سببًا في زيادة هذه المشكلة. هذه المسئولية في التطبيق إنما تقع على عاتق الحكومة من جهتين: أولهما أن تمنع من تطبيق أي أساليب للتعويض تؤدي إلى مفاسد شرعية أو اقتصادية. وثانيهما أن تقوم بتنظيم التعويض من حيث توقيته الزمني ومقداره والمستحقين له والآلية والوسائل التي يتم بها تنفذه ومراجعته، وذلك لتحقيق المصلحتين الكلية (للمجتمع) والجزئية (للأفراد) في إطار الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>