سادسًا – أحد المسائل التي يجب حسمها تمامًا وقطع رأسها كما تقطع رأس الحية، والتي تسببت في الإساءة بشكل بالغ إلى مبدأ التعويض في المناقشات الاقتصادية الإسلامية؛ ما اقترحه بعض الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين – لشديد الأسف – من اعتبار الفائدة المصرفية تعويضًا عن التدهور في القيمة الحقيقية للنقود في ظروف التضخم. وبالرغم من أن هذا الاقتراح لا يستحق عناء بالرد عليه؛ بسبب سطحيته البالغة من الناحيتين الشرعية والاقتصادية، إلا أن من الضروري تفنيده حتى ينتهي أمره.
أولًا: إن البنوك أو المؤسسات التي تمارس الإقراض والاقتراض بفائدة في كل أنحاء العامل لا تفعل هذا إطلاقًا بغرض التعويض عن التدهور في القيمة الحقيقية للنقود، بل لأجل الاكستاب (اكتساب الفوائد) والفائدة تتطابق في معناها مع الربا كما أقرت المجامع الفقهية في العالم ومجمع البحوث الإسلامية للأزهر في مصر. وإذا قيل: ولماذا لا نعتبر الفائدة تعويضًا عن التدهور في القيمة الحقيقية للنقود ومن ثم تصبح جائزة شرعًا؟ قلنا على سبيل التأكيد: إن البنوك التجارية التي تتعامل الآن بنظام الفائدة لن ترضي بأن تغير جوهر نشاطها على هذا النحو، وإن البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بالفائدة لا تستطيع أن تستبدل نشاطها التمويلي القائم على أساس المشاركة في الغنم والغرم، والذي يخدم النشاط الاقتصادي بنشاط لا هدف له سوى عملية التعويض، وهي ليست إلا عملية تصحيحية تنتهي إذا زال السبب الذي يدعو إليها ولم تعد إليها حاجة. هل نسي من اقترحوا أن تكون الفائدة تعويضًا عن التدهور في القيمة الحقيقية للنقود: أن المستوى العام للأسعار قد يظل ثابتًا في بعض السنوات أو ربما ينخفض؟ هل ترضى البنوك أن تصبح مجرد مكاتب تأخذ المدخرات من أصحابها وتسلمها لمن يريد استثمارها بعائد يساوي الصفر في حالة ثبات الأسعار؟ وهل يرضى أصحاب المدخرات أن يدفعوا نقودًا إضافية للمستثمرين إذا حدث انخفاض في المستوى العام للأسعار؟ إن حجتهم داحضة.
وثانيًا: لقد اعتقد من اقترحوا الفائدة تعويضًا عن تدهور القيمة الحقيقية للنقود، أنها سوف تسخر لتحقيق هذاالهدف، ونسوا أن البنك المركزي في كل دولة يقوم بتحديد سعر الفائدة والارتكاز عليه كأداة رئيسة من أدوات السياسة النقدية، ليس فقط لتحقيق الاستقرار الاقتصادي داخليًا، وإنما أيضًا لتحقيق توازن ميزان المدفوعات خارجيًا، وقد ترتفع أسعار الفائدة وتنخفض تبعًا لأهداف السياسة الاقتصادية الكلية دون اعتبار لارتفاع المستوى العام للأسعار. وفي فترة السبعينيات ارتفعت الأسعار كثيرًا، وبقيت أسعار الفائدة شبه ثابتة حتى أصبحت الفائدة الحقيقية سالبة في عدد كبير من البلدان النامية بنسب تصل إلى (- ٣٠ %) ، (-٤٠ %) ، وفي الثمانينيات ارتفعت أسعار الفائدة العالمية فوق معدلات التضخم الجارية فتزايدت معدلات الفائدة الحقيقية بما سبب لكثير من البلدان النامية متاعب جمة وزيادة كبيرة في أعباء الديون الخارجية، وكل هذه الأموال وما يحدث الآن في التسعينيات في إطار البرامج الإصلاحية لصندوق النقد الدولي التي ترتكز على سعر الفائدة لتقليل معدلات التضخم تارة، ولتشجيع الاستثمارات تارة أخرى، تدل على أن هؤلاء الاقتصاديين والفقهاء الذين اقترحوا الفائدة كآلية للتعويض كانوا مخدوعين فيها، أو أنهم تعرضوا للتغرير من بعض أولي الجهل الذي يدعون الخبرة الاقتصادية وهم بلا أي خبرة.