أما منور إقبال فقد اقترح أن تصدر الحكومة أدوات مالية جديدة يطلق عليها: وحدات القيمة الثابتة، وتحدد الحكومة سعر الوحدة منها بالعملة النقدية المحلية، ولكنها تعمل على تعديل هذا السعر مع التغير في المستوى العام للأسعار. ويفهم من اقتراح منور إقبال أن قيم الحقوق والالتزامات الآجلة يمكن أن تحدد بوحدات القيمة الثابتة، مما يتضمن تعويض التدهور في القيمة الحقيقية للنقود تلقائيًا كلما ارتفع الرقم القياسي للأسعار (١) . ولقد انتقد هذا الرأي من قبل الذين لا يوافقون على الربط القياسي (Indexation) كأسلوب لتطبيق مبدأ التعويض.
الخلاصة
إن مشكلة التدهور في القيمة الحقيقية للعملة النقدية أثر واضح من آثار التضخم، وعلاجها لابد أن يتم جنبًا إلى جنب مع علاج التضخم، ولكن لا يجب أن يطغى علاج الأثر على علاج السبب، فالأخير أولى بالاهتمام، ومن هنا يستدعي الأمر موازنة دقيقة في السياسات النقدية والاقتصادية التي تتحمل الحكومة مسئولياتها. ومبدأ التعويض في رأينا يحقق العدالة بالنسبة للقروض ولقياس القيم الآجلة للبيوع والديون واستيفاء الحقوق المترتبة عليها في ظروف استمرار الظاهرة التضخمية، خاصة إذا اشتدت حدتها، وادعاء البعض بعدم وجود مشكلة تدهور في القيمة للنقود أو رغبتهم في تأجيل بحثها ومعالجتها إلى أن تتحقق ظروف اقتصادية إسلامية مثلى، إنما يعبر عن هروب من هذه المشكلة. كذلك فإن من القصور حقًا أن يحاول البعض تقييد الآراء والمعالجات لهذه المشكلة بآراء سادةٍ من الفقهاء الأجلاء الذين عاشوا في قرون سابقة لم تشهد أبدًا نقودًا مثل نقودنا التي نتعامل بها، أو غلاء مستمرًا لا ينقطع. فلو أن الفقهاء القدامى الأجلاء ذوي الآراء السديدة في كل مجال عاشوا في عصرنا الحاضر لقالوا في مشاكلنا التي نعاصرها أقوالًا جديدة تمامًا في إطار الشريعة ومقاصدها، لا في إطار آرائهم الفقهية التي ارتبطت بظروف مختلفة تمامًا.
والتسليم بمبدأ التعويض في إطار الرغبة في معالجة آثار وأسباب التخضم معًا يلقي مسئولية جسيمة على السلطات الرسمية، وتتمثل المسئولية في موازنة العدالة التي تقترن بمعالجة الآثار المترتبة على التضخم بالمصلحة الاقتصادية التي تقترن بمعالجة أسباب التضخم في نهاية الأمر، ومن هذا المنطق تقدمنا بمقترحات تخص مسئولية الحكومة بالنسبة لمبدأ التعويض، وكيفية تطبيقه، وذلك حتى لا يؤدي هذا إلى إعاقة عملية معالجة أسباب التضخم وهي الأساس.
(١) انظر منور إقبال، مزايا ربط العملات بمستوى الأسعار ومبادئه، ندوة ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار من وجهة النظر الإسلامية، جدة (١٤٠٧هـ / ١٩٨٧م) ، ص ٣٧.