٣- التكييف الفقهي للعملة الورقية، وهل هي مثلية أم قيمية؟
شكلت العملة الورقية كما قلنا وضعًا جديدًا غير مألوف لدى الفقهاء، مما أثر في نظرتهم لها، فلا هي سلعة متعارفة تستمد قيمتها التبادلية من منفعتها الاستعمالية ومدى الرغبة الاجتماعية فيها، ولا هي سند معبر عن رصيد ذهبي بحيث يعتبر مالكها مالكًا لذلك الرصيد، فيكون معنى التعامل بها (وهو التعامل بقيمتها ذهبًا في ذمة الجهة المصدرة)(١) .
والحقيقة هي أن الأوراق النقدية هي اليوم (سلع) اعتمادية خاصة لا غير، وإنما قلنا: إنها سلع خاصة، لكي نوضح الفرق بينها وبين السلع القيمية التي لها منافعها الاستعمالية، في حين لا تعتمد هذه الأوراق على منافعها الاستعمالية، وإنما ترتكز على منافعها التبادلية، وتستمد هذه القدرة من خلال القدرة الاقتصادية للدول التي تصدرها وتتعهد بقيمتها دون أن تربط هذه القيمة بأي غطاء.
وهذه السلع الخاصة تعتمد في قيمتها التبادلية على قوانين العرض والطلب، والتي تعتمد بدورها على القدرة الاقتصادية للدول المصدرة، وعلى مدى رغبة هذه الدول في الاحتفاظ بالقيمة والقدرة التبادلية لهذه الأوراق، وكذلك على مدى رغبة الدول الأخرى في التعامل مع هذه الدولة، فكلها عوامل مؤثرة في هذه القوانين.
وبتعبير آخر: فإن الأشياء سوف تكون على أربعة أقسام:
فهناك أشياء يلحظ فيها الجانب الاستعمالي قبل الجانب التبادلي كالسلع العادية. وهناك ما يلحظ فيه الجانبان معًا كالذهب المسكوك، وهناك ما يلحظ فيه الجانب التبادلي أكثر من الجانب الاستعمالي كالفلوس أو حتى الذهب الذي تتجاوز قيمته التبادلية قيمته الاستعمالية. وهناك ما يلحظ فيه الجانب التبادلي لا غير وهو الأوراق النقدية، وهذا يعني أن المالية هي كل قوام هذه الأوراق.
فإذا كانت الأفراد الأخرى لهذه الأوراق بما فيها الأوراق الأخرى في طول الزمان تقوم مقامها، كانت مثلية، أما إذا كانت تختلف عنها عرضًا، كما في الدنانير الأردنية مثلًا في قبال الدنانير العراقية، أو طولًا كما في الأوراق التي يختلف سعرها في الظروف الزمانية الأخرى. فلا يمكننا اعتبار المثلية هنا لأننا قلنا إن المثلية تقوم بتماثل الآحاد والأجزاء من الأموال، بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق معتد به عرفًا.
وعلى هذا يمكننا القول: إن الأوراق يمكن أن تكون قيمية باعتبار وحدات القيمة واختلافها، وهي في الواقع قيمية قبل أن تكون مثلية؛ لأن اعتبارها بماليتها.