للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- وقد يتجه القول بعدم جواز ذلك؛ بناء على الأجرة قد تمت على وجه صحيح عند العقد، وهي ركن من أركان العقد فلا بد من معرفتها، والقول بالإلزام بتغييرها أو ربطها بمؤشر معين أو سلعة، أو عملة مبينة يترتب عليه جهالة الأجرة؛ لأنها إذا كانت نقدًا، فإن من شروطها معرفة قدره وجنسه ونوعه، حتى لا يكون هناك مجال للمنازعة، وعدم العلم بمقدارها أمر يقتضي فسادها؛ لأن هذه الجهالة تفضي إلى الغرر، من حيث إن المستأجر لا يدري ما هو مقدار الأجرة الذي يلزمه حينها، وكذلك الأجير أو الموظف فإنه يجهل ما سيؤل إليه الحال، وهذا كله يؤدي إلى الغرر، وهو منهي عنه شرعًا (١) .

وإذا نظرنا إلى ما نحن فيه من انخفاض قيمة الأجرة بسبب التضخم، فإنا نجد أن الأجرة مسماة، وقع عليها الاتفاق بين الطرفين حال العقد، والعقد في ابتدائه صحيح من حيث وجود أركانه وشروطه، ولكن طرأ عليه بسبب طول المدة وانخفاض قيمة النقد ما يمكن أن يجعله فاسدًا لفساد الأجرة المسماة بانخفاضها الفاحش، والذي هو عند التحقيق عيب، لوجود معنى العيب (٢) فيه، فلا ينكر القول بتعويض العامل عنه.

وهناك ملحظ آخر أيضًا يمكن أن يستأنس به للقول بتصحيح الإجارة في حال التضخم الفاحش، وهو أن الأجرة عند عدد من العلماء لا تملك بالعقد، وإنما تملك باستيفاء المنافع أو تسليم العمل، ومما يقوي ذلك ما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( ((يغفر لأمتي في آخر ليلة من رمضان)) . قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله)) )) (٣) .

وبناء عليه فإن العامل لما وفّى بعمله، وجب أن يأخذ الأجر العادل لهذا العمل بعد الانتهاء منه، فإن نقص المسمى عن أجرة العدل التي استحقها العمل، وجب أن يعوض عن ذلك بطريق مشروع.


(١) د. حمزة الفعر، ربط الأجور بتغير المستوى العام للأسعار، ص ١٧٤، بحث منشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (٢٠) ، السنة الخامسة.
(٢) انظر ما تقدم، ص ٩، ١٠.
(٣) رواه الإمام أحمد في مسنده، وانظر د. شرف الإجارة الواردة على عمل الإنسان، مرجع سابق ٢١٩ - ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>