وليست كل النقود مهما اختلفت طبائعها وحقيقة المادة المصنوعة منها لها هذه القيم المختلفة، كما أن هذه القيم المختلفة لوحدة النقد ليست دائمًا أو حتى غالبًا متسقة الاتجاه، بحيث إذا ارتفعت ارتفعت جميعًا , وإذا هبطت هبطت جميعًا، بل غالبًا ما نجد التعارض والتعاكس. والمهم هنا التذكير بأن نقودنا المعاصرة ليست لها قيمة سلعية أو ذاتية على الإطلاق، اللهم إلا إذا كان لقصاصة الورق المصنوعة منها قيمة. وهذا عكس النقود الذهبية والفضية بل والنحاسية والبرونزية وغيرها من النقود المعدنية الرديئة، فلكل منها قيمة ذاتية أو سلعية، كبرت أو صغرت، بحيث لو زالت تمامًا عن النقود قيمتها النقدية، أو حتى قيمتها الحقيقية (قوتها الشرائية) فإنه يبقى لها قيمتها الذاتية أو السلعية باعتبارها سلعة من السلع الاقتصادية ذات القيمة التبادلية والاستعمالية، أي إن ماليتها لا تبطل مهما بطل رواجها. وهذا فرق جوهري مؤثر بين النقود الذهبية والفضية وبين النقود الورقية من ناحية المالية وعلاقتها بالرواج. وهذا التمييز مهم حتى نتفهم جيدًا كلام الفقهاء القدامى، فقد كانوا يتكلمون عن نقود معدنية لها قيمة ذاتية أو سلعية، بغض النظر عما يطرأ على قيمتها النقدية أو حتى الحقيقية. ونحن اليوم بصدد نقود ورقية ليست لها قيمة ذاتية، وإنما كل قيمتها في قوتها الشرائية. فإذا فقدت هذه القوة بارتفاع الأسعار أو بقرار حكومي، فقدت كل مالها من قيمة.
وتتمثل القيمة الحقيقية للعملة في قدرتها على شراء وحدات من مختلف السلع والخدمات المطروحة في المجتمع، ونحب أن نؤكد هنا على ما أشار إليه محققو الاقتصاديين من أن قيمة العملة الحقيقية هي أمر ذاتي محض وليست أمرًا موضوعيًا، بمعنى أن لكل نقود قوة شرائية خاصة بها. هب أننا في مجتمع واحد فهل تستوي نقودي ونقودك في قوتها الشرائية؟ لو كانت مشترياتي هي نفس مشترياتك لكانت الإجابة بنعم، لكن إذا اختلفت بنود المشتريات، وهذا غالبًا ما يكون، فإن الإجابة تكون بلا، فقد أشترى بنقودي سلعة رخصت حتى في ظل التضخم وتشتري أنت سلعة ارتفعت، وبذلك تكون لنقودي قوة شرائية أكبر مما لنقودك، وهكذا فإنه رغم ما قد يكون هنالك من انخفاض عام في قيمة النقود على المستوى الكلي أو القومي فإن الأمر قد يكون مخالفًا لذلك تمامًا على المستوي الجزئي أو الفردي.