والملاحظة الثالثة أن حديثهم - طبقًا لما صرحوا به - دار حول تغير قيمة أو سعر العملة حيال عملة أخرى، الفلوس حيال النقود الذهبية والفضية والعكس، وكذلك النقود الفضية حيال النقود الذهبية والعكس، وكأنه المسألة مسألة سعر عملة إزاء عملة أخرى أو ما يعرف حاليًا بسعر الصرف أو القيمة الخارجية للعملة، مع ملاحظة أن هذه العملات فيما مضى لم تكن عملات خارجية، بل كلها محلية (نظام نقدي مغاير تمامًا لنظامنا النقدي الحاضر) ، وقد دعا هذا بعض الباحثين المعاصرين إلى القول بأن الفقهاء القدامى لم يتناولوا مشكلة التضخم، ولم يدر بخلدهم شيء عن المستوى العام للأسعار. وبدون الدخول في مجادلات حول: هل هذا التكيف صحيح أم خاطئ فإن الأفضل التركيز في نظرتنا على أنهم كانوا بصدد عملة تغيرت قيمتها، فما هو الحكم؟ ولا يؤثر بعد ذلك كون هذا التغير في القيمة الحقيقية أم في قيمتها حيال عملة أخرى، وبهذا نقي أنفسنا مؤونة البحث والمشقة في قضية لا طائل من ورائها.
والملاحظة الرابعة أن حديثهم انصب أساسًا وليس كلية على تغير حدث بعد الالتزام والتعاقد وقبل الوفاء والسداد، ومعنى ذلك بوضوح أن القضية الكبرى التي شغلوا بها تمثلت في: متعاقدين أبرما عقد بيع أو عقد قرض أو أي عقد آخر، ولم يسدد أحد الطرفين للآخر ما عليه من نقود. وعند السداد كان سعر النقود أو قيمتها قد تغيرت عما كانت عليه حين الالتزام والتعاقد.
وواضح أننا بهذا الشكل لا نكون أمام ربط بأي صورة من صور الربط، ومع ذلك فقد صرح بعض الفقهاء بصور تفيد أن المتعاقدين حين التعاقد قد التفتا بصورة من الصور إلى السعر أو القيمة الحاضرة للعملة محل التعاقد، مما يعني مراعاتها - وإن بدون تصريح - عند الوفاء والسداد.