للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ضوء هذا التمهيد المهم ندلف إلى تبيان كيف واجه فقهاؤنا هذه الظاهرة، ظاهرة تغير سعر أو قيمة العملة عند الوفاء والسداد، وبالبحث في المصادر الفقهية المتنوعة نجدهم تناولوها في حالات ثلاث:

الحالة الأولى: عند الوفاء أو السداد تغيرت العملة كلية، وليس سعرها أو قيمتها.

الحالة الثانية: عند الوفاء أو السداد تغيرت قيمة العملة مع بقائها عملة.

الحالة الثالثة: عند التعاقد لوحظ سعر العملة أو قيمتها إزاء عملة أخرى.

الحالة الأولى: تغير العملة ذاتها. تحدث الفقهاء القدامى والمتأخرون منهم عن هذه الحالة التي كثيرًا ما كانت تحدث في أزمنتهم، مقدمين في ذلك العديد من الأسباب أو الصور التي كانت تتجسد فيها، من انقطاع أو كساد أو بطلان أو تحريم ... إلخ. وبرغم ما هناك من فروق وتميزات بين هذه الصور من حيث حقيقتها، فإنها كلها تجتمع بوجه عام حول عدم وجود العملة المتعاقد بها عند الوفاء أو السداد. والمقصود بعدم وجودها هو عدم الوجود النقدي لها، أي عدم وجودها كعملة رائجة حتى ولو بقيت كسلعة، وحيث أن هذه الحالة في غالب صورها غير موجودة في زماننا هذا، للاختلاف الجذري في الأنظمة النقدية السالفة والحاضرة، وللاختلاف الجذري أيضًا بين نقودنا ونقودهم من حيث المادة المصنوعة منها هذه النقود؛ فإننا لا نجد الحاجة ماسّة إلى استعراض ما قدمه الفقهاء في المصادر الفقهية حيالها؛ لأن كل ما قدموه في هذا الصدد قليل الغناء لنا في مواجهتنا للمشكلة الراهنة، وهي تغير قيمة العملة، وليس تغير العملة ذاتها، وقد قام المجمع مشكورًا في مرحلة سابقة بتكليف بعض الباحثين باستعراض هذه القضية في المصادر الفقهية المتنوعة والتعرف على مواقف واتجاهات الفقهاء حيالها، مما يتيح لنا من الناحية العملية مصدرًا طيبًا حديثًا للمعرفة في هذه المسألة (١) .


(١) لمعرفة موسعة تراجع مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع الجزء الثاني،١٩٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>