للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثانية: تغير قيمة العملة عند الوفاء أو السداد، كانت هذه حالة شائعة في العديد من أقاليم الدولة الإسلامية في فترات زمنية متعددة، وحيث إن هذه الحالة تقع لدينا كثيرًا، عكس الحالة السابقة، فمن المهم الإشارة إلى مواقف الفقهاء القدامى حيال هذه الظاهرة، لا على أنها هي الفيصل في تحديد مواقفنا الحاضرة، وإنما للاستئناس بها؛ وذلك لأن الملابسات والظروف المحيطة متغايرة تمامًا، ووجه الشبه الوحيد أننا معًا أمام عملة تغيرت قيمتها عند الوفاء والسداد.

بتقصي ما قدمه الفقهاء القدامى حيال هذه الحالة نجد أن نطاق بحثهم وتناولهم لم يقتصر في كليته على ما كان يعرف بالفلوس في أزمانهم، أو ما يسمى بالنقود الاصطلاحية؛ بل انصرفت أقوال العديد منهم إلى ما كان يعرف بالنقود الخلقية أو الأصلية (الذهبية والفضية) ، وإن كان التركيز على الفلوس؛ لأنها كانت عرضة بدرجة أشد للتقلبات القيمية، إذن هم تناولوا الاثنين معًا، حتى وإن ميز بعضهم في الحكم الشرعي بين هذه وتلك. وبالاستقراء الدقيق لاتجاهاتهم حيال هذه الظاهرة من حيث الحكم الشرعي؛ وجدنا لهم ثلاثة اتجاهات، جمع كل اتجاه فقهاء من المذاهب المختلفة:

أ- اتجاه الجمهور الذي يذهب إلى عدم الاعتداد والالتفات إلى ما حدث من تغيير في السعر أو القيمة مهما كان مقداره، حتى ولو بلغ عشرة أمثال، كما نص على ذلك بعض الفقهاء، ومعنى ذلك أن الوفاء أو السداد يتم بنفس عدد العملة المتعاقد بها. ويتتبع ما قدموه من حيثيات لهذا الموقف وجدناهم يصرحون بأن هذا هو ما وقع به التعاقد ورضي به الطرفان، وأن عملية التغير في القيمة هذه ما هي إلا أمور عابرة، ترجع إلى رغبات الناس وما يعتريها من شدة وفتور، ولا يرجع إلى أمر جوهري ذاتي في النقود. وجاء الفقهاء المعاصرون وأضافوا إلى ذلك مبررات أخرى عديدة لم تكن غائبة عن القدامى، بل كانت مضمرة، مثل الربا والغرر والجهالة والعدل، مشيرين إلى بعض النصوص ذات الدلالة في هذا الشأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>