للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- اتجاه آخر معاكس يذهب إلى الاعتداد بالتغير في القيمة عند الوفاء والسداد، بمعنى أن يكون التعويل عند حدوث هذا التغير إلى السعر - أو القيمة - الذي كان قائمًا عند التعاقد، وفي داخل هذا الاتجاه وجدنا من يميز في ذلك بين النقود الذاتية والنقود الاصطلاحية، قاصرًا له على الثانية، ووجدنا من يعمم هذا الحكم عليهما معًا. وبمحاولة التعرف على تبريرات هذا الاتجاه وجدناها تعود في جملتها إلى تحقيق مبدأ العدل الحاكم في الشريعة، وكذلك حماية لمبدأ الرضى في التعاقد، والذي يقوم على المالية الحاضرة للمعقود عليه عند التعاقد. واعتبارًا لذلك يكون تغير القيمة عيبًا لحق بالنقود، ومراعاة العيوب في التعاقدات أمر مقرر ومعترف به شرعًا.

ج- اتجاه يميز بين التغير الفاحش والتغير اليسير في قيمة العملة، فيهمل اليسير ويعتد بالفاحش. وبالبحث لدى أصحاب هذا الاتجاه في المعيار الذي يحدد اليسير والكثير أو الفاحش لم نجد نصوصًا صريحة لهم في ذلك، مما جعل الفقهاء المعاصرون يختلفون حول معيار القلة والكثرة، فمنهم من يحدده بالثلث ومنهم من يحدده بأقل من ذلك، ومنهم من يحدد بأكثر من ذلك، ومنهم من يرجع الأمر في ذلك إلى العرف ورأي أهل الاختصاص، وبرغم أن من قال بذلك من الفقهاء هم أقل بكثير ممن قال بالاتجاهين السابقين، فإن هذا الاتجاه قد تكون له وجاهته من الناحية النظرية والعملية معًا، فليس من مصلحة التعاملات واستقرارها وسرعة إنجازها تأثرها عند كل تغير وإن قل، فذلك لا يكاد يسلم منه أي مجتمع. وتحمل الأثر هنا بالنسبة لصاحب الحق غير مرهق من جهة وغير مفاجئ له من جهة أخرى، فهذا أمر من طبائع الحياة الاقتصادية، لكنه عندما يكون تغيرًا فاحشًا فإن إهماله عند ذلك يرهق صاحبه من جهة ويعرقل ازدهار المعاملات من جهة ثانية، ثم إنه لم يدخل على ذلك من جهة ثالثة، وربما كان أفضل معيار للتمييز بين التغير اليسير والتغير الكثير هو العرف ورأي أهل الاختصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>