للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثالثة: عند التعاقد لوحظ سعر أو قيمة العملة إزاء عملة أخرى، وعند السداد تغير هذا السعر أو هذه القيمة. هذه الحالة هي الأخرى وثيقة الصلة بواقعنا المعاصرة، مثل الحالة السابقة، إضافة إلى وثوق صلتها بمسألة الربط التي تحتل جانبًا مهمًا في المشكلة موضع البحث والدراسة. هذه الحالة قد يُنظر إليها على أنها ربط صريح وإن لم يكن ربطًا قياسيًا لكنه ربط بعملة، وقد ينظر لها على أنها ربط ضمني، وسواء أكان هذا أم ذاك فنحن أمام حق أو التزام بنقد معين يلاحظ فيه علاقته بنقد آخر. فما الذي يعمل به عند الوفاء إذا ما حدث تغير في هذه العلاقة الملحوظة؟

بداية فإنه مما لا خلاف حوله أن النص الفقهي على هذه الحالة لم يكن بدرجة شيوع النص الفقهي على الحالتين السابقتين، وقد وجدنا النص الصريح عليها لدى بعض فقهاء المالكية وبعض فقهاء الشافعية.

ففي الفقه المالكي نجد ما يلي: " قال الحطاب: قال: ابن أبي زيد: إن من أقرضته دراهم فلوس، وهو يوم قبضها مائة درهم ثم صارت مائتين لم ترد عليه إلا عدة ما قبضت، وشرطكما غير ذلك باطل " (١) .

والشاهد هو قوله: " وشرطكما غير ذلك باطل " فهو نص صريح في الربط، وفي عدم شرعيته، ورغم صراحة هذه العبارة فإنها لم تفصل القول في تبرير بطلان هذا الشرط، كما لم تشر إلى الرأي المخالف.

وأوضح منها ما نقله ابن رشد عن ابن القاسم قائلًا: " لو قال: أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهمًا بدينار. قال: البيع صحيح ويلزمه نصف دينار، تحول الصرف كيفما حال – أي مهما كان سعر الصرف الجديد – حيث إنه أوجب له ثوبه بنصف دينار ". وفي موطن آخر تعرض ابن رشد لهذه الحالة بتفصيل أكبر قائلًا: " سئل عمن له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه – على الدرهم – من صرف عشرين بدينار. فقال: أرى أن يعطيه نصف دينار بالغًا ما بغل من الدراهم إن كان الدين من بيع، أما إذا كان من سلف فلا يأخذ منه، إلا مثل ما أعطاه " وفسر ابن رشد كلام ابن القاسم بقوله: " إن ذكر (من صرف عشرين بدينار) معناه أنه لم يسم الدراهم العشرة إلا ليبين بها الجزء الذي أراد البيع به من الدينار، فله ذلك الجزء " (٢) . يلاحظ أنه رغم أن العقد مكتوب بعدد معين من عملة معينة (الدراهم) لكن ذلك مربوط بسعر صرف معين من عملة أخرى، وهنا روعي العمل بالربط في حال البيع وأهمل في حالة القرض.


(١) الحطاب، مواهب الجليل، دار الفكر، بيروت: ٤ / ٣٤١.
(٢) ابن رشد، البيان والتحصيل، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ٧ / ٢٣، ٦ / ٤٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>