للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من قال: الزكاة فيه لحول واحد وإن أقام أحوالاً، فلا أعرف له مستندًا في وقتي هذا؛ لأنه لا يخلو مادام دينًا أن يقول: فيه زكاة، أو لا يقول ذلك. ولعله يقول: فيه الزكاة مع اشتراط الحول، إلا أنه يقول كلما انقضى حول فلم يتمكن من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللازم في دبر الحول، فإن الزكاة وجبت بشرطين: حضور عين المال، وحلول الحلول، فلم يبق إلا حق العام الأخير. وهذا شبهه مالك بالعروض التي للتجارة، لا زكاة فيها إلا إذا باعها، وإن أقامت عنده أعوامًا. اهـ.

إذا علمت هذا فحكم الورقة المسئول عنها على مشهور مذهب مالك في زكاة الدين، إذا كان صاحبها ليس بتاجر مدير كأن كان غير تاجر أو تاجرًا محتكرًا، أنه لا يزكيها ولو أقامت عنده أعوامًا عديدة، إلا إذا استبدل بها عينًا ذهبًا أو فضة، وحينئذ يزكي ما قبضه لسنة واحدة، كما يزكي الدين لو قبض من الغريم عينًا، وإن كان مديرًا زكى عددها، أي قيمتها المضمونة بها متى نض له من سلمه، أي باع منها ولو بدرهم واحد، ولو لم يستبدل بها نقودًا ذهبًا أو فضة. هذا ما يقتضيه حكم زكاة الدين عند المالكية، وإن كانت حالة الدين المضمون بهذه الأوراق لا تتفق تمامًا مع الاعتبارات الفقهية التي تراعي في باب الدين؛ لأن الدين المذكور ليس في ذمة معينة حقيقة، ولا روعي في تحرير سنده أن يكون لشخص معين، ولكن مسألة الزكاة شيء وتحرير سند الدين وتقريره في ذمة معينة شيء آخر؛ إذ لا نزاع في أن صاحب الورقة المذكورة مالك لنصاب حال عليه حول يمكنه أن يقبضه نقدا ذهبًا أو فضة في أي وقت شاء، ومن أي شخص كان، وأن يستبدل به مقومًا أو يهبه أو يتصدق به على شخص آخر بواسطة هذه الورقة التي يعتبر وصولها إلى يد أخرى حوالة على الصرف الذي أصدرها أصالة، بحيث إذا قدمت إليه أو إلى من أنابه عنه لزمه قبولها ودفع قيمتها كمبادلة النقدين سواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>