للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس مجرد وضع اليد على ورق البنك نوت واستلامه من الدين يعد قبضًا للدين، فمن له على آخر عشرة جنيهات من ثمن مبيع مثلاً فأعطاه ورقة بهذه القيمة بعد حول أو أكثر، لا يعد بذلك قابضًا للدين حتى تجب عليه زكاته الآن، بل يعد محالاً به على خزانة البنك، فلا يزكي هذه الورقة حتى يقبض قيمتها نقدًا، ولو بقيت عنده أعوامًا فيزكيها لسنة واحدة كما مضى. هذا ما يؤخذ من مشهور مذهب مالك في تخريجها على زكاة الدين. ولا يخفى أن ذلك التخريج مجحف بالفقراء غير واف بمقصود الشارع من شرع الزكاة، وهو سد خلة الفقير، ولا سيما في البلاد التي يكون غالب أموالها الزكاة من قبيل الأثمان كمصر، فإن ما يزكى من الماشية والحرث فيها قليل جدًا بالنسبة لما يقصد منه ثمنه من المحصولات الأخرى كالقطن ونحوه، ومذهب الحنابلة أن من له دين على مليء باذل من قرض أو دين عروض تجارة أو ثمن مبيع وحال عليه الحول، كلما قبض شيئًا أخرج زكاته لما مضى، وهو قريب من مذهب مالك، فتخريجه تخريجه. والمأخوذ من مذهب الحنفية أن هذه الأوراق إذا اعتبرت كمستندات ديون لا تؤدى زكاتها إلا بعد القبض، أي استبدالها بنقود على تفصيل عندهم في أنواع الدين. ومذهب السادة الشافعية أن الدين في بعض أحواله يزكى كل عام، حيث قالوا: إن من له دينًا على آخر وكان حالاً، والمدين موسرًا غير جاحد ولا مماطل فيه، فعليه تعجيل زكاته كالوديعة قبضه أو لم يقبضه إذا حال عليه الحول، وعلى هذه فالزكاة واجبة في هذه الأوراق إذا حال عليها الحول، وإن لم تستبدل النقود بها. ولما كانت زكاة الأموال من أفضل أعمال البر بالإنسان، وقد شرعت لسد خلة المحتاجين، وتفريج كرب البائسين، ومنع صولة الفقراء على الأغنياء، وانتهاب أموالهم، ويخشى أن يحتال أرباب الأموال على إسقاط زكاتها باستيفاء هذه الأوراق في أيديهم بدون استبدالها بأحد النقدين؛ كان الأرفق بالفقراء والأحوط في الدين الأخذ بمذهب السادة الشافعية في زكاة هذه الأوراق، وإفتاء العامة به، وإن كانوا متعبدين على مذهب آخر؛ لأن العامي مذهبه في النازلة مذهب مفتيه (١) .


(١) ينظر رسالة (التبيان في زكاة الأثمان) للشيخ مخلوف: ٣٧-٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>