للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢) المسلك الثاني

تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين العرفي

ولا يخفى أن تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين مع كونه مجحفًا بحق الفقراء - على غير ما ذهب إليه الشافعية - مبني على اعتبار القيمة المضمونة بهذه الأوراق كدين حقيقي في ذمة شخص مدين، وأن هذه الأوراق كمستندات ديون حقيقية، مع أن هناك فرقًا بين هذه الأوراق وما هو مضمون بها، وبين المدين الحقيقي وسنده المعروف عند الفقهاء، فإن الدين ما دام في ذمة المدين ولا ينتفع به ربه ولا يجري التعامل بسنده رسمًا، ولذلك قيل بعدم وجوب زكاته؛ لأنه ليس مالاً حاضرًا معدًا للنماء، بحيث ينتفع به ربه، بخلاف قيمة هذه الأوراق فإنها نامية منتفع بها كمًا ينتفع بالأموال الحاضرة. وكيف يقال: إن هذه الأوراق من قبيل مستندات الديون، ومستند الدين ما أُخذ على الدين للتوثق وخشية الضياع، لا لتنمية الدين في ذمة المدين ولا للتعامل به، أو يقال: لا تجب الزكاة فيها حتى يقبض بدلها نقدًا ذهبًا أو فضة، مع أن عدم الزكاة في الدين - كما علمنا - إنما هو بكونه ليس معدًا للنماء، ولا محفوظًا بعينه في خزانة المدين، والفقهاء إنما حكموا بعدم زكاة الدين مادام في ذمة المدين حتى يقبضه المالك؛ نظرًا لهذه العلة.

واستثنى الشافعية دين الموسر إذا كان حالاًّ فإنه يزكى قبل قبضه كالوديعة؛ نظرًا إلى أنه في حكم الحاضر المعد للنماء، فلو فرض نماؤه كما في بدل الأوراق المالية، لما كان هناك وجه لتوقف الزكاة على الفقير، ولما خالف في ذلك أحد من العلماء فالحل أن هذا النوع من الدين نوع آخر مستحدث لا ينطبق عليه حقيقة الدين وشروطه المعروفة عن الفقهاء، ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في زكاة الدين، بل ينبغي أن يتفق على وجوب الزكاة فيه؛ لما علمت أنه كالمال الحاضر، وغايته أن نموه والانتفاع به بواسطة هذه الأوراق المعتمد في إصدارها والتعامل بها على وجود ما يعادل قيمتها في المصارف المالية، فكأنه بهذا مال حاضر بين المتعاملين يتحرك وينمو بحركة هذا الرسم المضروب، فالنصاب المملوك هو ذلك النوع من البدل، والرسم المضروب إنما هو لحفظه والتعامل به فزكاته زكاته وقبضه قبضه، وذلك بخلاف الدين، فإن ما نسميه دينًا ونشترط في زكاته شروطًا، يجب أن يكون مضمونًا في الذمة، وليس معدًّا للنماء والحركة، وإلا وجبت فيه الزكاة كالمال الحاضر (١)


(١) ينظر رسالة (التبيان في زكاة الأثمان) للشيخ مخلوف: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>