وفي مرحلة البلوغ: إن بلغ الصبى عاقلا، تثبت له أهلية الأداء (١) الكاملة، ما لم يعترضه عارض من عوارض الأهلية، ويصبح الولد أهلا للتكاليف الشرعية، ويجب عليه أداؤها، ويأثم بتركها، وتصح منه جميع العقود والتصرفات، وتترتب عليها مختلف آثارها، ويؤاخذ على جميع الأعمال الصادرة منه.
فيطالب باتفاق الفقهاء بالإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وعليه أداء العبادات المفروضة، وتعلم العلم الضرورى لإقامة الدين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس واللسان. ويصبح مسؤولا عن احترام النظام الشرعي في المعاملات المدنية وارتكاب الجرائم، ويخضع لنظام العقوبات الشرعي.
والبلوغ: وإما بأماراته الطبيعية من احتلام الفتى أو الإحبال، وأدنى المدة اثنتا عشرة سنة، وحيض أو حمل الفتاة، وأدنى المدة تسع سنين أو بتمام سن الخامسة عشرة عند جمهور الفقهاء، وعند الحنفية: بدخول الغلام في التاسعة عشرة، وفي الفتاة إذا دخلت في السابعة عشرة.
والأصل أن أهلية الأداء تتحقق بتوافر العقل، ولما كان العقل من الأمور الخفية ارتبط بالبلوغ؛ لأنه مظنة العقل، والأحكام ترتبط بعلل ظاهرة منضبطة، فيعتبر الشخص عاقلًا بمجرد البلوغ، وتثبت له حينئذ أهلية أداء كاملة، ما لم يطرأ عليه أحد عوارض الأهلية.
أما مرحل الرشد: فيتوقف عليها تسليم أموال القاصر له.
والرشد يراد به عند الجمهور صلاح المال، أي البصيرة في الشؤون المالية التي يتوقف عليها حسن التصرف بالمال، ولو كان فاسقًا من الوجهة الدينية. وعند الشافعي: الرشد صلاح الدين والمال.
والرشد: قد يرافق البلوغ وقد يتأخر عنه، ويقابله السفه، وهو تبذير المال وإتلافه في غير وجوه الحكمة، سواء في شر أو خير.
فمن بلغ رشيدًا اكتملت أهليته، وتحرر من الولاية أو الوصاية، ونفذت تصرفاته وإقراراته، وتُسلم إليه أمواله، لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: ٦] .
وإذا لم يثبت رشده مع بلوغه تستمر الولاية المالية عليه، حتى يثبت رشده، ولا تنفذ تصرفاته وعقوده وإقرارته.
وتحديد سن الرشد شرعًا متروك لولاة الأمر، بحسب ظروف الزمان ومقتضى المصالح المرسلة.
(١) وهى صلاحية الإنسان لصدور الأفعال والأقوال منه على وجه يعتمد به شرعا، وأساس ثبوتها التمييز.