للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد؛ فإذا تأكد حق القرابة والرحم فأخص الأرحام وأمها الوِلَاد، فيتضاعف تأكد الحق فيها، فقد روى أبو هريرة مرفوعًا (( ((لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)) )) أخرجه مسلم.

فهذه نبذة من الأخبار الدالة على تأكد حق الوالدين، فهذه الرابطة أكبر من رابطة الأخوة، بل يزيد ههنا العلماء أن طاعة الأبوين واجبة في المباحات، وأن أكثر العلماء على إجماع أن طاعتهما واجبة في الشبهات (١) ، وإن لم تجب في الحرام المحض، حتى إذا كانا يتنغصان بانفرادك عنهما بالطعام فعليك أن تأكل معهما؛ لأن ترك الشبهة ورع، ورضي الوالدين حتم، وكذلك ليس لك أن تسافر في مباح أو نافلة إلا بإذنهما (٢) ، فعن أبي سعيد الخدري: هاجر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن وأراد الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: (( ((باليمن أبواك؟)) .)) قال: نعم. قال: (( ((هل أذنا لك؟)) .)) قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: (( ((فارجع إلى أبويك فاستأذنهما، فإن فعلا فجاهد، وإلا فبرهما ما استطعت، فإن ذلك خير ما تلقى الله به بعد التوحيد)) )) ، أخرجه أحمد وابن حبان.

وجاء آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في الغزو. فقال: (( ((ألك والدة؟)) .)) فقال: نعم. قال: (( ((فالزمها، فإن الجنة تحت قدمها)) )) أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم من حديث معاوية بن جاهمة.

وجاء آخر إليه صلى الله عليه وسلم يطلب البيعة على الهجرة وقال: ما جئتك حتى أبكيت والدي، فقال صلى الله عليه وسلم: (( ((ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)) )) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في حديث عبد الله بن عمرو وقال: صحيح الإسناد.

جاء في كتاب الدرر المباحة ما يلي تحت عنوان الكبائر: "وإن الكفر لا يحل العقوق، حتى يجب على المسلم نفقة الوالدين الكافرين إذا عجزا عن الكسب، وخدمتهما وبرهما وزياراتهما إلا أن يخاف أن يجلباه إلى الكفر، فيجوز ألا يزورهما حينئذ، وينفق عليهما من ماله، فإنه لا يحاسب على نفقة أبويه، ولا يتكرهما لغزو أو حج أو طلب علم، فإن خدمتهما أفضل من كل ذلك " (٣) قلت: وجمهور العلماء على أن نفقة الوالدين واجبة على الولد، ولو كانا قادرين على الكسب (٤) .


(١) الإحياء: ٢ / ٢٣٨.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) الدرر المباحة، ص ١٧٠ وما بعدها.
(٤) الفقه الإسلامي وأدلته: ٧ / ٨٢٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>