"إني لا أستطيع أن أكتم شعوري نحو مدينتي العزيزة الحزينة المتشحة بالسواد. إنه ليطيب لي أن أردد ذكرها صباح مساء، وأن أسبح بحمدها، وأن أصف محاسنها، وأن أذكر
أسماءها وتاريخها وعلماءها ومساجدها وكنائسها، وكل ما يمت إليها من قريب أو بعيد. أليست هي مسقط رأسي، ووطن آبائي وأجدادي، ومهبط الأنبياء ومنبع الرسالات،
والقبلة التي تتجه نحوها قلوب المؤمنين! ليس في العالم كله مدينة تحاكيها فيما اجتمع فيها من آثار مقدسة، منذ أربعة آلاف سنة إلى اليوم، فيما تثيره في النفس من مشاعر الإجلال
والتقديس، ولا فيما تبعثه في القلب من أنس ".
وإن هذه المشاعر المتدفقة المشتركة التي تفيض بها كل نفوس الفلسطينيين لهي تلك التي رسمها مركز الإسراء للدراسات والبحوث، حين قال في غضون حديثه عن احتلال فلسطين، من مقدمته لكتاب (القرارات الدولية الكاملة) من ١٩٤٧ م إلى ١٩٩٧ م.
"أما القلب (قلب فلسطين) وهو القدس فلم يكن إلا تعبيرًا صادقًا عن تعلق الأرض بالسماء، والإنسان بالقيم، والجهاد بالألم، واختصارًا لطيفًا لمعراج
الرسالة، ووحدة الأديان، والأمل بالسلام، وخلاص الإنسان ".
وهذه المعاني القدسية الشريفة التي تجيش بها نفس كل عربي عاش بهذه الديار، وانتسب إليها، لهي تلك التي استهدفها الاحتلال الصهيوني والاستعمار اليهودي من نحو قرن، من
أجل إذابتها والقضاء عليها. والأمر غير عسير ما دامت الإجراءات والوسائل تتخذ في كل يوم لتأكيد هذا الاتجاه الإسرائيلي الحاقد من غير بصر رادع أو سلطان وازع.
وهي التي من أجل حمايتها والحفاظ عليها وتخليدها وصيانة الوطن والهوية مارس الشعب الفلسطيني ويمارس في أمسه ويومه وغده كل ألوان المقاومة والجهاد على جبهات
متعددة. فمن مظاهرات ومصادمات يقوم بها هذا الشعب العربي الفلسطيني احتجاجًا على السياسة البريطانية والأنظمة الصهيونية إلى إعلان عن رفضه الصريح لإقامة الوطن