ومن يرد أن يلم بأنواع الصراعات، وأسرار النزاعات، وأشكال المواجهة، وصور التحديات يعد أولًا إلى دراسة الوقائع والملابسات - فإن هذا البحث لا يتسع لمثل ذلك -
ويتتبع ثانيًا - إن شاء - في مسيرة هذه الحلقة الأخيرة من تاريخ الشرق الأوسط وفلسطين التي تمتد على مدى نحو قرن أو يزيد كل المواقف العدوانية
من جهة، والمواقف الجهادية من جهة أخرى. فإذا هي كلها بارزة بعناوين من نار ونور؛ فهي متمثلة في: وعد بلفور، وقرار
التقسيم، والقدس، والتدويل، والسيادة، والسياسة
التوسعية للاستعمار اليهودي قبل (٦٧) وبعدها، ومتلمسة في التفاف المجاهدين حول مقدساتهم، يذودون عنها بأموالهم وأنفسهم، وفي قيام منظمة
التحرير الفلسطينية الجامعة لشملهم والممثلة لهم، المتكلمة بلسانهم، وفي الحركات الجهادية الأخرى كالـ انتفاضة وغيرها، وفي مواقف التفاوض المرن
من أجل السلم بما يكشف لدى هؤلاء عن بطولات مجيدة في المجالين العسكري القتالي، والتفاوضي السياسي.
ويعنينا في هذا المقام أن نتبين عن طريق المقاصد والأعمال القواعد الأساسية للاحتلال الصهيوني للقدس ولفلسطين. فقد كان
الاحتلال والإرهاب بجميع صوره وأشكاله مدعاة لنزوح المواطنين عن ديارهم، واضطرارهم إلى طلب اللجوء إلى البلاد المجاورة خارج بلادهم. وبقدر ما تخلو البلاد من ساكنيها،
والأوطان من أبنائها تتهيأ أسباب أكثر للهيمنة والحكم والتصرف المطلق في الأراضي المنتزعة، وتتوفر للعدو فرص جديدة للتوسع الاستعماري وللاستبداد بكل شيء، واستغلال كل شيء، ويمضي المحتل الإسرائيلي - ليثبت أقدامه، ويدعم وجوده وسلطانه - في سلوك المنهج الأقسى والأنكى والأشد ظلمًا وخطورة، معتمدًا في سياسته الاستعمارية
القمعية القواعد الثلاثة التي ترسمها في تحركاته كلها في فلسطين والقدس والبلاد العربية المجاورة؛ وهي:
الهجرة والاستيطان والتهويد.
وسنحاول بإذن الله، وقدر الطاقة، تصوير ذلك في جمل مختصرة تكون إضاءات وإلماعات تقرب للدارس معرفة خطة اليهود الاستعمارية في فلسطين:
* * *