وعلى هذا الأساس فإن ادعاءات (الحقوق التاريخية) و (شعب الله المختار) و (إسرائيل الكبرى) و (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل) و (التميز العرقي) و (إحياء مملكة داود) و (إعادة بناء هيكل سليمان والتجمع حوله) ، تدخل كلها في حسابات الفكر القومي الصهيوني وليس الديانة اليهودية. بل إن زعماء الحركة الصهيونية - وكثير منهم ملحدون - سلخوا هذه الادعاءات أو المقولات من مضامينها الدينية ووضعوها في خانة المقولات القومية السياسية؛ لتسويغ علمانية الفكر الصهيوني وعلمانية كيان (إسرائيل) ، ولعل هذا هو من أهم أسباب الخلاف بين الأحزاب العلمانية الأساسية (كالليكود والعمل) من جهة، والأحزاب السياسية الدينية (مثل كاخ) والاتجاهات اليهودية غير الصهيونية من جهة أخرى.
ومما يؤكد هذه الحقيقة الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية التي تصدر بين فترة وأخرى في الكيان الصهيوني؛ فالذين صوتوا للأحزاب الدينية في الانتخابات البرلمانية عام ١٩٤٩ كانت نسبتهم (١٢ %) فقط، وأصبحت (١٣ %) عام ١٩٩٢، بينما ظلت تحصل الأحزاب العلمانية على ما يقارب من (٨٥ %) كمعدل عام.
أما نسبة الـ (٩٠ %) فهم غير متدينين (علمانيون أو ملحدون أو غير مبالين) ، ولكنهم جميعًا يعتقدون أن فلسطين هي منحة إليهم من إلههم (يهوه) الذي لا يؤمن به معظمهم (١) .
والنتيجة المهمة التي يفترض أن نخرج بها من هذه الحقيقة تكمن في أن الصراع الإسلامي - الصهيوني ليس صراعًا دينيًا، أي ليس صراعًا بين دينين (الإسلام واليهودية) ، بل هو صراع عقائدي، بين العقيدة الدينية الإسلامية والأيديولوجية الصهيونية العلمانية.
(١) المصدر السابق، ص ٢٤، نقلًا عن موسوعة الصهيونية وإسرائيل، ص ١٢٦٢.