للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواضح من هذه الآيات أنها تقرر مبدأ حظر الحرب والقتال إلا في حالة وحيدة هي حالة الدفاع ضد العدوان، وهذا ثابت من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:١٩٠] . وحتى في هذه الآية وهي حالة الدفاع فإن القتال لا يجوز أن يتعدى حق الدفاع إلا إلى الحد الكافي لحسم العدوان، دون التمادي في القتال لمجرد التعصب أو إشباعًا لشهوة الانتقام، وهذا واضح من قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٩٣] .

أما بالنسبة للحالة الثانية وهي حالة الإغاثة الواجبة لشعب مسلم أو حليف عاجز عن الدفاع، عن نفسه، فقد جاء النص على هذه الحالة في قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء:٧٥] .

فالمستفاد من هذه الآية أن محاربة الظلم والفساد في الأرض إنما هو سبب يجيز للمسلمين القتال للقضاء على الظلم، سواء كان هذا الظلم موجهًا إلى شعب مسلم أو دولة أخرى مظلومة، حتى وإن كانت غير إسلامية، ذلك أن مقاومة الظلم والفساد في الأرض أمر تحتم الأخوة الإنسانية والتضامن المفروض بين البشر، فكل اعتداء على أحدهم يعتبر موجهًّا إلى الإنسانية جميعًا ويستدل على هذا التضامن الإنساني من الآية الكريمة: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢] .

ويصبح قتال المسلمين لنصرة الضعيف واجبًا أقوى إذا كان عهد أو ميثاق للمساعدة المتبادلة، ذلك أنه يقترن بواجب آخر هو واجب الوفاء بالعهد، وواجب الوفاء بالعهد في الإسلام مقدم على واجب التناصر بسبب الدين، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال:٧٢] .

<<  <  ج: ص:  >  >>