للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الذي قرره الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا هو نفسه الذي قامت على أساسه عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة في النصف الأول من القرن العشرين، ويكفي للدلالة على ذلك أن نقرأ المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول: مقاصد الأمم المتحدة هي:

١ - حفظ السلام والأمن الدولي، وتحقيقًا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم (١) .

وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمود شلتوت: وعلى هذه الأسس بنى الإسلام سياسته الإصلاحية فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض وفيما بينهم وبين غيرهم من الأمم المختلفة، وبذلك كان السلم هو الحالة الأصلية التي تهيئ للتعاون والتعارف وإشاعة الخير بين الناس عامة، وهو بهذا الأصل لا يطلب من غير المسلمين إلا أن يكفوا شرهم عن دعوته وأهله، وألا يثيروا عليه الفتن والمشاكل، ويأبى الإباء كله أن يتخذ الإكراه طريقًا للدعوة إليه ونشر تعاليمه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩] .

وإذا احتفظ غير المسلمين بحالة السلم فهم والمسلمون في نظر الإسلام إخوان في الإنسانية يتعاونون على خيرها العام، ولكل دينه يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة دون إضرار بأحد ولا انتقاص لحق أحد.

والإسلام لا يخرج عن هذا الوضع الطبيعي إلا إذا امتدت إليه يد العدوان ووضعت أمامه العراقيل وأخذت في فتنة الناس عنه بالإيذاء والتنكيل، وهنا فقط يؤذن لأهله أن يردوا العدوان بالعدوان إقرارًا للسلم وإقامة للقسط، وهو بذلك يحرم عليهم حرب الاعتداء والعسف واستنزاف الموارد والتضييق على عباد الله (٢) .

وقد استنبط الأئمة من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:١٩٠] .

أن قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا} أي في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم. قاله ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد (٣) .

وقال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح القولين في السنة والنظر، فأما السنة فحديث ابن عمر: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان)) .

وأما النظر فإن (فاعَلَ) لا يكون في الغالب إلا من اثنين كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة.

وقال القرطبي: والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم كالرهبان والزمنى والإجراء فلا يقتلون. وقد بسط القرطبي القول في هؤلاء وبين مذهب المالكية في ذلك ناقلًا كل ذلك عن ابن العربي في أحكامه (٤) .


(١) العلاقات الدولية، للدكتور علي صادق أبو هيف، ص ٦١٦ وما بعدها، الطبعة الحادية عشرة.
(٢) الإسلام عقيدة وشريعة، ص ٤٥٣؛ وتفسير القرآن الكريم، ص ٢٤٣ - ٢٤٥؛ ورسالته في مشروعية القتال في الإسلام.
(٣) تفسير القرطبي: ٣٤٨/٢.
(٤) أحكام القرآن: ١٠٤/١.

<<  <  ج: ص:  >  >>