إلا أننا إذا أردنا أن ندرس سير الفكر الحقوقي المتأخر فإن الإعلان الفرنسي - رغم استفادته من الإعلان الحقوقي الإنجليزي الصادر في نفس العام وإعلان الاستقلال لثلاث عشرة مستعمرة أمريكية والصادر قبله بثلاثة عشر عامًا - قد استطاع أن يقدم لائحة متقدمة جدًّا في هذا المضمار، حيث طرح في مادته الأولى حق الحرية والمساواة، وفي الثانية حق الحرية والملكية والأمن والدفاع ضد الظلم، وفي الثالثة منح الشعب حقوقه في الحاكمية، وفي الرابعة أكد على الحرية الشخصية غير المتعدية على حريات الآخرين، وفي الخامسة منح القانون حق منع الضرر، وفي السادسة أكد حق الاشتراك في صياغة القانون لكل الأفراد، وفي السابعة أكد المساواة أمام القانون وحيازة الوظائف، وفي الثامنة قرر أن لا عقوبة دونما قانون، وفي التاسعة أكد فكرة المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وفي العاشرة طرح حرية العقيدة، وفي الحادية عشرة قرر حرية البيان، وفي الثانية عشرة قرر فكرة ضمان الحقوق بتشكيل قوة مسلحة، وفي الثالثة عشرة أجاز أخذ الضرائب لتأمين هذا التشكل، وفي الرابعة عشرة أعطى للناس حق الإشراف على الموظفين، وفي السادسة عشرة اعتبر المجتمعات التي لا تقبل حقوق الإنسان وانفصال القوى الحاكمة عن بعضها مجتمعات لا دستور لها، وأخيرًا قرر في المادة السابعة عشرة عدم جواز سلب الملكية إلا للمصلحة العامة.
وهكذا جاء هذا الإعلان المهم ليشكل قانونًَا اقتبسته الدول الأخرى شيئًا فشيئًا.
واستمرت التحولات حتى تمت الموافقة في الأمم المتحدة على الإعلان العالمي لـ حقوق الإنسان في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إذ وقع عليه (٤٨) عضوًا، وامتنع عن التصويت الأقطار الشيوعية (روسيا، بيلوروسيا، أوكرانيا - تشكوسلوفاكيا، يوغسلافيا، وبولندا) وأفريقيا الجنوبية والسعودية، وطبعًا كانت الدوافع لدى هذه الأقطار مختلفة.