للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحور الأول

المبادئ العامة التي تهم تأسيس المساواة التامة بين أبناء البشرية

جاء الإسلام واضحًا في وضع الإطار العام الذي يمكن أن تنظم داخله علاقات الناس بعضهم ببعض، وذلك عندما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣] .

وجه القرآن الكريم المسلم أول مرة إلى أن التعامل في الحقوق المالية والتمثيلية والإدارية والقضائية، لا تخضع للأمزجة والاختيارات الذاتية، فأمير المؤمنين وعامة رعيتهم، بما فيهم الذميون، وكذلك المعاهدون، وكل ذلك لا يتعامل معه إلا بميزان العدل، فلا مجال لقرابة ولا لعاطفة، يترجم هذا ادعاء علي كرم الله وجهه مع أحد الرعية، وهو يهودي، جاء إلى سيدنا عمر فقال عمر للرجل باسمه الشخصي: قل يا فلان حجتك، ولما فرغ المدعي من سرد دعواه، أدار أمير المؤمنين وجهه إلى سيدنا علي، ثم قال له: قل يا أبا الحسن ما عندك؟ فغضب علي حتى بدا ذلك على وجهه، فقال له عمر: أأغضبك أني أنزلتك منه منزلة الند في المحاكمة، فرد عليه علي: أغضبني أنك لم تسوِّ بيننا، إذ دعوته باسمه، ودعوتني بلقبي، واللقب آنذاك نوع من التفضيل، فأمير المؤمنين علي، لا يخاصم الرجل فيما هو حق له، ولكن يخاصمه فيما ظن أمير المؤمنين علي أنه ثابت له، ولا يريد أن يأخذه بغير عدل، وهذا تطبيق للآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:١٣٥] ، ثم طبق سيدنا علي نفس المبدأ مع النصراني الذي سرق درعه، ولما تحاكم معه إلى شريح ورأى النصراني المساواة بينه وبين أمير المؤمنين عند قاضي أمير المؤمنين أعلن إسلامه (١) .


(١) لقد ذكر أخونا العلامة الحاج محمد الناصر كثيرًا من هذه الصور في البحث الذي وجهه للمجمع بتاريخ ٢٥ - ٢٧ مايو ١٩٩٦م، فنحيل عليه ولا نكرر ما فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>