للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا فإن ما بين أيدي الناس من نصوص الإسلام، لم يسن لخدمة الحاكمين، ولا لتوفير القداسة لرجال الدين، فلما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي إلا بالتقوى)) (١) ، عندها انتقل الفضل إلى العمل، فكرست نصوص الشريعة الإسلامية لبناء الإنسان، بناء يتسامى به إلى بلوغ أرقى صنوف الفضيلة، فنهاه الله عن تعاطي جميع أوبئة الرذيلة التي بلغت السخافات بالمتحللين من القيم الدينية إلى ربطها بـ حقوق الإنسان، الذي لا يرقى إلى ما يريده له الخالق، إلا إذا تحكمت فيه تعاليم الدين، وطهرته من الخبائث التي تنحط به إلى مقاسمة الحيوانات الغرائز التي ميزه الله ليتجنبها بنور العقل، فيهتدي به إلى سواء السبيل، إلى الإسلام الذي يهذب نفسه، فيستقيم تفكيره، ثم يحسن نطقه ويسير على المحجة البيضاء، العدل شعاره، والدين دثاره، والتسامح ميزته، والتقوى محجته، لا يقرب الظلم ولا الغش ولا الغدر ولا الخداع، فيجب للآخرين ما يحب لنفسه، لا يملكه عجب عن تطبيق أحكام الله على ذاته، ولا يقعسه ضعف عن القيام بواجبه، فلا يستعبد الناس لأنهم ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، كما قال أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، فالإنسان جعله الله حاملًا لرسالة الهداية، فلا بد أن يتحلى بتعاليمها، فكما سوت الأقدار بين الأفراد في الخلقة، يبقى المبدأ في الإسلام هو مساواتهم في الحقوق والواجبات، ولا يكون التفاضل بينهم إلا بخصال خارجة عن تكوينهم الجسمي، بل يتفاضلون في المؤهلات، وتحصيل العلم وتدبير شؤون الحياة، والإخلاص لتعاليم الخالق جل جلاله.


(١) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>