للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإسلام ذكر بمبدأ الخلقة التي ترجع أبناء البشرية إلى أب واحد وأم واحدة، ليستل منهم أية حمية جاهلية، أو أي تطاول لا مبرر له سوى نزغات الشيطان، ولما رسخ هذه المبادئ في أنفس المسلمين، ساواهم أيضًا في التكريم، وذلك من خلال قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: ٧٠] ، ثم حطم ميزة التعالي الجنسي التي كانت تحصل بها الدونية للمرأة في مقابل قداسة للرجل ضمن علاقات الأسرة، فنسفت الشريعة ذلك في الآية الكريمة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: ١٩٥] .

وأمعنت الشريعة الإسلامية في نفي مخلفات التمييز العنصري عندما عير أبو ذر بلالًا بن حمامة بالسواد، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام حتى حلف أبو ذر بأن يضع خده على الأرض، ثم يطأ بلال عليه إرضاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا فإن المبادئ العامة الإسلامية أتت مستشرفة كل التطلعات التي يمكن أن يتصورها أو يصل إليها الإنسان المهذب، المتحلي بأخلاق الدين، ومن هنا ينبغي القول بأن نظريات الإسلام لا يمكن أن يحكم عليها من خلال ضعف المسلمين عن العمل بها وتقديم إيجابياتها لغيرهم من أبناء البشرية، ولا يمكنهم أن يرقوا إلى بلوغ أهدافها وما تؤسسه من قيم مثلى، ما داموا يتحسسون شرائع غير المسلمين ليستنبطوا منها نصوصًا تطبق عليهم، ولعل هذا من أكبر الأسباب التي أدت إلى ضعفهم، وغياب فكرهم عن ساحة الخلق والإبداع، ولو أنهم ملكوا الشجاعة التي تمكنهم من استخراج الأحكام على كل المستجدات من صلب نظريات الشريعة، لكانت اليوم جميع المبادئ والأعراف والعادات التي تعتبر من أساسيات حقوق الإنسان، استخرجت كلها من توجيهات الشريعة الإسلامية، التي لن تجد الإنسانية أعدل ولا أرحم منها، يجسد ذلك قول الله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:٩٠ - ٩١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>