للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتابعت أحاديث كثيرة في مختلف كتب السنن تلح على ترك التفاخر بالأنساب، وتحل محله التفاخر بالتقوى، حتى وصلت إلى الحديث الذي رواه الطبراني وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله يوم القيامة: أيها الناس إني جعلت نسبًا وجعلتم نسبًا، فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان وفلان أكرم من فلان، وإني اليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، ألا إن أوليائي المتقون)) (١) .

وهي كافية لتوضح تعصب جل واضعي التشريع الدولي لـ حقوق الإنسان، عندما لم يعترفوا بأن هذا التشريع لو كان منصفًا لجاهر بضرورة أخذ الحقوق المشرفة للإنسان من مبادئ الشريعة الإسلامية، فهل يا ترى يمكن أن تصل الأحكام التي تضمنها البيان المذكور والمادة الثانية منه إلى هذه المعاني السامية التي أتت بها آيات محكمة، وأحاديث صحيحة؟.

ومن هذه الصورة الممعنة في احترام جميع ما يهم الحقوق الإنسانية، نرى الآية الكريمة القائلة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] .

ونسجل في تفسير هذه الآية صورًا بارعة من صور تسامح الإسلام، ورعيًا لكثير من حقوق ومشاعر الإنسان، بقطع النظر حتى عن دينه، فلقد ذكر القرطبي في تفسيرها، جواز صلة الرحم حتى ولو كان كافرًا، وذلك بناء على قصة أسماء عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أأصل أمي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((نعم صلي أمك)) فأمرها بصلتها وهي كافرة، فتأكيدها - يقول القرطبي - أدخل الفضل في صلة الكافر.

ولما تعرض الداعية المرحوم الشهيد سيد قطب للمساواة، ذكر بالوثنية التي ارتقت التعاليم الإسلامية بالإنسان عنها عندما قال: "ولكن الإسلام مع ذلك لم يكتف بالمفهومات الضمنية المستفادة من التحرر الوجداني، فقرر مبدأ المساواة باللفظ والنص ليكون كل شيء واضحًا مقررًا منطوقًا"، ثم استعرض آيات التوحيد التي تكرم الإنسان بالتعلق بالخالق، لتسمو نفسه عن عبادة السخافات والافتراضات التي كانت سائدة قبل الإسلام، ثم قال: "ولقد برئ الإسلام من العصبية القبلية والعنصرية، إلى جانب براءته من عصبية النسب والأسرة، فبلغ بذلك مستوى لم تبلغه الحضارة الغربية إلى يومنا هذا " (٢) .

* * *


(١) هذه الأحاديث كلها استشهد بها الألوسي البغدادي عند تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} .الآية
(٢) كتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>