ومن تتبع كتب السير والتاريخ سيجد فيها تطبيقات متطورة جدًّا في شتى أنواع الحريات العامة مازالت القوانين الوضعية قاصرة عنها.
فلقد اشتملت أمهات التشريع الإسلامي على كل ما يكفي من إثبات جميع الحقوق والحريات للإنسان في الإسلام، واستقطابه لكل التطلعات ضمن تطبيقات ونصوص كافية لتأكيد السابقة الحضارية للإسلام في هذا الموضوع، فحرية الرأي والتعبير صاحبت بزوغ شمس ظهور الهدي النبوي الكريم، ومن أهم ما يستشهد به على صحة ذلك ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم يوم بدر وبين النبي صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: إن كان وحي فلك، وإن كان رأي فلنا حظ منه، فيرد عليهم بأنه الرأي والمشورة - حسب معنى الحديث وليس لفظه -. ودخل أحد الصحابة على معاوية، فقال: السلام عليكم يا أجير، فلم يغضب ذلك أمير المؤمنين معاوية، وقبل ذلك قال أبو بكر للجماهير: إن رأيتم في إعوجاجًا فقوموه، فيرد عليه بعض الحاضرين بأنهم إن رأوه سيقومونه بحد السيف، وعمر يقول: أخطأ عمر وأصابت امرأة، ويقول أيضًا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا. عندما أنصف المصري من ابن واليه عمرو بن العاص لما مكن المعتدى عليه من ضرب ابن عمرو، والذي تطاول بأنه ابن الأكرمين، فأخذ عمر يقول له: اضرب ابن الأكرمين، وأوشك أن يضرب عمرو لو لم يعف المعتدى عليه ويقول: يا أمير المؤمنين ضربت من ضربني ولا أظلم أحدًا.
ومنح الله الإنسان آفاقًا واسعة للتفكير، فقال في كتابه العزيز:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤] ، فإذا وجه الله الإنسان إلى التدبر في القرآن، فكيف يمنع حرية التعبير، والمعتقد والنهج الذي يفضل أن يسلكه في حياته ما دام لم ينتهك محرمًا.