للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحريات العامة أيضًا:

حرية المعتقد والرأي في الإسلام:

فلقد أتى الإسلام حاسمًا في ممارسة هذين الحقين، فنهى عن الإكراه في الدين ورسم أسلوب الدعوة إليه، فأمر بأن تكون بالحسنى، ولذا فإن المسلم مطالب بأن يدعو إلى الإسلام بالكلمة الطيبة، والسلوك الحسن والتمكن من مختلف أساليب الإقناع، فلنصغ للقرآن الكريم ينير سبيل الدعاة بآيات محكمة حتمت تجنب كل وسائل العنف والقسوة والإكراه إذا أراد الداعية أن يكون لدعوته أثرها الطيب في نفوس مخاطبيه، قال الله في كتابه العزيز: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] ، هذا الخطاب البليغ الملتزم باحترام حق الإنسان في اتباع ما يريد.

إن الاتفاقيات الدولية اليوم، ما استطاعت أن تقدم للإنسان ضمانات تحمي نفسه ودينه وماله، تشابه أو تقارب تلك التي أعطاها أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب "لأهل إيلياء من الأمان على أنفسهم وكنائسهم وصلبانهم، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صلبانهم، لا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحدهم " (١) .

لا جدال في أن هذا المسلك العظيم لم ترق إليه ممارسات الغرب الذي بلغ التعصب بأبنائه، ما جعلهم يعبئون جميع طاقاتهم من أجل منع فتيات مسلمات من أن تضع خمارها على رأسها، ثم ينادون بـ حقوق الإنسان وعدم التدخل في اختياراته العقدية، وأين هو نص المادة الثانية من البيان العالمي ل حقوق الإنسان، من قول الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] ، ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩] ، فدعاهم إلى الحوار المقنع مع الاحترام الكامل عندما قال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦] .

هذا الرصيد من المساواة والاحترام، ومحاولة الوصول إلى تحقيق الهدف بأسلوب تثمر في ظله المودة واستمرار الأخوة، سيظل دليلًا على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ويجعلها قادرة على إخراج إنسان هذا العصر من تحكم الطغيان الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من نسف كل قيمة ومكتسباته.

* * *


(١) علي عبد الواحد وافي، ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>