للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحور الخامس:

حقوق الأقليات من خلال نبذ كل دعوة للكراهية

القومية أو العنصرية أو الدينية

وضع الإسلام حقوق الأقليات في مكان خاص يمكنهم من سائر حقوقهم، يضمن سلامتهم وحريتهم واحترام معتقدهم وسلوكهم وتربية أولادهم وتنمية أموالهم، وإشعارهم بالمساواة مع جميع سكان البلد الذي يقيمون فيه.

قال الله في أول سورة التوبة: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:١ - ٢] ، قال القرطبي في تفسيره: عن علي بن أبي طالب أنه قال: "من كان له عهد عند رسول الله فهو على عهده، ومن لم يكن له أجل أربعة أشهر يختار الإسلام أو يكف عن دار المسلمين أو يتهيأ للقتال " وهذا يؤخذ منه التأكيد على احترام المعاهدات الدولية، بأسلوب أرقى من مطاردة الأجانب من على أرض أية دولة حسب أنظمة دخول أراضي الغير.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم صالح سهيل بن عمرو على أن الناس تتمسك بهدنة لمدة عشر سنوات، تبيع وتشتري وتتبادل الزيارات، وتتمتع بالحريات الكاملة خلالها، وفيه دليل على قبول العيش بين البشر كلهم، لأن هذه الاتفاقية وضعت إطار ذلك التعايش وفق ضوابط معينة، يتعايش من خلالها المسلم مع المشرك.

وفي المغني لابن قدامة: قال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنه يجوز الصلح والهدنة لأكثر من عشر سنين حسب المصلحة التي يراها الإمام. (١)

وإذا عقد الإمام الهدنة لزمه الوفاء بها لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١] ، وقال: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] .

وقال في المغني: وإذا عقد الهدنة فعليه حمايتهم من المسلمين وأهل الذمة، لأنه أمنهم ممن هو في قبضته وتحت يده، كما أمن من في قبضته منهم، وإن أتلف المسلمون أو من أهل الذمة عليهم شيئًا فعليه ضمانه.

إن التعايش والتساكن بتسامح دعا إليه الإسلام قبل مختلف تشريعات البشر، فالله قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨] .

قال صبحي الصالح: " والمعاهدات أصل مشروع في الإسلام، حتى مع المشركين تنظيمًا لعلاقات غير المسلمين بالمسلمين". (٢)

وقد دعا القرآن إلى الوفاء بالعهد فقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:٩١] ، وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٤] .

ولقد منح الإسلام لهم حق التمسك بأي معتقد فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] ، وحتم علينا احترام مشاعرهم حتى أثناء دعوتهم للإسلام فقال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦] ، ونهى عن البغي والفحشاء والمنكر بدعوة عامة، سوَّى فيها بين جميع أجناس الإنسانية؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: ٩٠] .


(١) المغني لابن قدامة:٥١٨/٥
(٢) النظم الإسلامية، للمرحوم صبحي الصالح، ص ٥٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>