إن هذه النصوص الراجعة إلى الكتاب أو السنة، أو المأخوذة من الأقوال المعتمدة عند جميع فقهاء الإسلام، تجعلنا نحكم بأن البيان العالمي ل حقوق الإنسان، تجاوب إلى حد بعيد مع أهداف ومقاصد الشريعة الإسلامية، وإذا وجدت اختلافات فإنها في نظري راجعة في مجملها إما إلى الصياغة اللفظية، أو إلى عدم فهم البعض للبعض، ولعل غياب علماء الإسلام عن ساحة الفكر، وفكرة الرفض المبدئي لكثير من المستجدات، دون التروي والتأني، حتى يتم البحث عنها بتعمق وبدون تعصب، لمن بين الأسباب التي تكثر من حمل غير المسلمين على مواجهة الإسلام، وتنفير الناس منه، كما أن حكم أعداء الإسلام عليه واتهامهم له بمجافاة حقوق الإنسان حجبت عن كثير من أبناء اليوم حقائق الإسلام، وإلى جهلهم بأحكام الإسلام وحكمهم عليه بدون معرفة نبهت الآية الكريمة:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: ٢٤] .
إن تسليح الإنسان بالعقل والسمع البصر والفكر، تلك الحواس هي وسائله لقابلية التطور التي قصدتها الآية الكريمة {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح: ١٤] ، وكذلك الآية الكريمة:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: ٧٨] تجعلنا نحن المسلمين أحق من غيرنا بإرجاع مبدأ حقوق الإنسان إلى ديننا الحنيف.
إن القولة المشهورة:"أينما تكون المصلحة فثم حكم الله "، لتبرز كيف كان السلف الصالح يتطلع إلى المزيد من التطور، ليرقى إلى إدراك قصد الشارع بتكريم الإنسان، ونحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن نبرهن للعالم على مرونة نصوص الشريعة، وقابلية تمسك الإنسان بإسلامه، وتمتعه بزينة الحياة في الحدود التي تصون كرامته، إلا أننا لا يمكن أن نشرع تلك الأحكام بحسب الأمزجة والاختيارات الشخصية، فصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان آتية من كونها لا يمكن أن تضيق عن أي مستجد يزيد من تكريم الإنسان:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:٣٢] .