للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قضية الآثار والأحكام المترتبة على النقود الورقية وتغير قيمة العملة تدخل في صميم العدالة العالمية التي تسود فيها هذه المعاملات، والتي تشتمل على صور شتى يعرفها رجال الاقتصاد، واكتفيت بذكر بعضها لكوني لا أستطيع حصر الصور ولا الجواب عليها، ولكن نوضح حكم الشرع في نظرنا عن بعض صورها، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن باطلاً فمني، والله ورسوله بريئان منه.

١- الشطر الأول من الموضوع: أحكام النقود الورقية، أي إحلال العملة الورقية محل العملة النقدية في التعامل وتقييم السلع والخدمات بها ... إلخ.

لقد مرت البشرية خلال تاريخها الطويل بمراحل في ميدان ابتكار تبادل المنافع والخدمات، ولقد أشرت في مقدمة الموضوع إلى أن القرآن العظيم قد أشار إلى ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] . فكانت المرحلة الأولى من مراحل التعارف تبادل السلع والمنافع والخدمات بين أبناء البشرية على نطاق جماعاتها ومجتمعاتها المحدودة. ولم يكن التعامل بالنقد من الذهب والفضة أو أي معدن آخر معروفًا، وإنما كانت المعاملة تتم بواسطة المقايضة بين السلع وتقييم أجرة المنافع والخدمات بقيمة السلعة، وكان هذا الوضع هو الوضع المناسب للمجتمع البدائي.

ثم تطور المجتمع البشري واتسع نطاق التعاون، وزاد من حجم الخيرات والمنتجات وحاجة الناس إلى الحصول على تلك الخيرات المتنوعة، فكان ابتكار العملة النقد، وعلى وجه الخصوص الذهب والفضة، فسهلت على مجتمعات تلك المراحل التاريخية التعامل فيما بينها بواسطة قطع العملة النقدية من الذهب والفضة، وبدلاً من تقييم قيمة سلعة بسلعة أخرى، والتي كانت تحتاج إلى وقت، أو تقييم خدمة أو أجرة عمل بثمن تلك السلعة؛ أصبح المجتمع البشري يقيم كافة قيمة السلع والخدمات وأجرة العمل بقيمة تلك العملة النقدية المتفق على قيمتها.

إلا أن تلك العملة كانت تكتنفها المخاطر وخاصة عند نقلها من بلد إلى بلد، والتي تتمثل بالسرقة أو الضياع، بالإضافة إلى صعوبة نقلها بسبب وزنها المادي، إضافة أيضًا إلى بطء التعامل الذي لا يناسب مجتمع تطور الإنسانية، وبناء الحضارة التي ينشدونها في شتى مجالات الحياة. وبالتالي فإن التعامل بالعملة النقدية لم يعد يناسب عصر السرعة ولا يلبي حاجة الإنسان، فكان ابتكار العملة الورقية وإحلالها محل العملة النقدية في القيمة المالية مساهمة كبرى في تطور الحضارة الإنسانية وتقدم الإنسان ومازالت كذلك، ولا نعلم ماذا يكون عليه الحال، ولكن الذي يهمنا أن نعلمه هو حكم الله في هذا التعامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>