ولا شك في أن من أصول التشريع في الشريعة الخالدة التي أصلها القرآن الكريم والسنة المطهرة، كالتيسير ودفع الحرج عن الناس، وهذا الأصل مقصود به دوام الشريعة واستمرار إقامة أحكامها؛ لأن الشريعة الحاكمة على أفعال المكلفين، والمشتملة على السعادة الحقة في العاجلة والآجلة، وضعت أصولها على أساس العدل الوسط:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٣] . وقال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] . وقال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] . وقال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: ٢٨] . وقد وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم. بما أتى به من أحكام لأمته {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧] . وبذلك سمى محمد صلى الله عليه وسلم الشريعةَ التي أُرسل بها بالشريعة السمحة. ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى ما أورده الإمام ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب أعلام الموقعين: ٣/٣ وما بعدها، إذ يقول تحت عنوان "بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد" " هذا فصل عظيم النفع جدًا، وقع بسبب الجهل به غلطٌ عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم ... إلخ.