للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هذه المقاصد هي تأصيل لنظرة متكاملة متوازنة ل حقوق الإنسان مقرونة بواجبات المجتمع والأفراد في توفيرها وحمايتها، باعتبار ذلك مسؤولية الجميع ديانة وقضاء (قانونًا) بمعنى أنها ليست وعظية، وإنما إلزامية، وهذه هي ميزة القانون.

وعلى المقصد الضروري أسس التشريع الجنائي الذي يترجم هذا المقصد إلى إجراءات عملية تضمن حرمة النفس والمال والدين.

تنظيم مسائل العقوبات والتفريق فيها بين الحق العام أو حق الله تعالى والحق الشخصي، ثم التفريق أيضًا بين الحدود أي العقوبات المقدرة شرعًا وبين العقوبات غير المقدرة أي المتروكة لحكمة القاضي باسم التعزير، ثم ضبط شروط جنايات القتل وجراحات العمد وتحديد مسائل الديات والتعويضات.

ولعل أهم دعامة في الشريعة ل حقوق الإنسان هي استقلال القضاء، فالقاضي لا يرجع إلا إلى الشريعة وضميره.

ويوضح هذا الاستقلال الرسالة المختصرة التي أرسلها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى واليه معاوية بن أبي سفيان حاكم سورية وفلسطين: "إنه لا سبيل لك على عبادة بن الصامت ". وكان عبادة قاضيًّا لفلسطين من قِبل الخليفة، وهنا يضع عمر حدًّا لتدخل الولاة في شأن القضاة.

وفي العصر العباسي، وفي أواخر القرن الثاني عزل الخليفة نفسه عن تعيين القضاء، حيث وكل الأمر إلى القضاة، وقد عين الرشيد القاضي أبا يوسف، وعهد إليه بتعيين القضاة في الأمصار، فأصبح للقضاء نوع من الاستقلال الإداري.

ويمكن اعتبار ديوان المظالم وسيلة متقدمة لحماية حقوق الإنسان، وبخاصة من جور السلطة، وقد أنشأه المهدي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، حيث كان يتلقى شكاوى الناس، حتى ضد كبار موظفي الدولة، وظل المهدي وخلفاؤه إلى فترة المهتدي ٢٥٥هـ، يجلسون في يوم أو يومين من الأسبوع لسماع شكاوى الناس ضد أولي الأمر وغيرهم.

واستحدث قضاء عسكري في أيام المماليك بعد طرد الصليبين من الشام في نهاية القرن السابع، وكان منوطًا بهذا القضاء الفصل فيما يقع بين الجنود من خلافات، فكان في دمشق قاضيان للعسكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>