للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد درجت القوانين الوضعية على التمييز بين الجهتين جهة الحق العام وجهة الحق الشخصي، ورتبوا على ذلك الدعوى المدنية التي يقوم بها المتضرر مطالبًا بجبر ضرره، ودعوى الحق العام التي يرفعها المدعي العام لحماية المجتمع.

لكن الشريعة المطهرة بتفصيلها لأنواع الجرائم وأصناف العقوبات أكدت على عنصر الثبات والاستقرار التشريعي ممثلًا ذلك في الحدود الشرعية التي تحمي الكليات حماية سرمدية تتلاءم والضرورة الأبدية للإنسان. كما أكدت على جانب المرونة والتطور والتكييف مع مختلف البيئات، مبرزة ذلك في التعزيرات، وهو أمر لا يقتصر على عدم تحديد سقف العقوبة ولا عتبتها الدنيا فحسب، ولكنه يتمثل في إشراك الجهات القائمة على أمور المجتمعات في إثبات العقوبة أو نفيها، توخيًّا للمصلحة، وليس تشهيًّا بالهوى.

ولعل بعض القانونيين المنصفين في الغرب لاحظوا عنصر الثبات والديمومة وعنصر المرونة والتطور في هذه الشريعة فأشادوا بها، كما فعل رجل القانون الإيطالي د. أنزيكوانز إباتو في كتابه (الإسلام وسياسة الحلفاء) في النصف الأول من القرن العشرين حيث يقول: "إن الشريعة الإسلامية دقيقة وثابتة من حيث صياغتها، لكنها مع ذلك تتلاءم مع الواقع، وإن تطورها لا يقلل من قيمتها وفعاليتها، لقد بقيت قرونًا طويلة محتفظة تمامًا بحيويتها ومرونتها".

إن النظام الجنائي المتوازن بين حق الفرد وبين حق المجتمع هو الذي يميز الشريعة عن الأنظمة الغربية التي تتباكى على الفرد المجرم، وتهدر حق الهيئة الاجتماعية التي هي آلاف الأفراد.

وإن هناك خلافًا آخر حول النظرة الخلقية التي تفرز القانون أو التي يفترض أن يكون القانون في خدمتها، كما أن نظرية النظام العام بالمعنى الحقوقي تختلف ما بين النظامين الإسلامي والغربي كما سنبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>