والشريعة المطهرة مع اهتمامها الشديد بسلامة المجتمع فإنها تقدم للفرد ضمانات أكيدة لا من حيث درء الحدود بالشبهات، وهي قاعدة تنسحب على الحدود وبخاصة في جرائم الأخلاق وحقوق الله المحضة، ولكنها قدمت ضمانات على مستوى الإجراءات القضائية ووسائل الإثبات، فمنعت القاضي من أن يحكم بعلمه الشخصي، واشترطت العدالة وزيادة العدد على اثنين في قضايا أخلاقية معينة، وأعذرت للمتهم في البيّنات ليجرح الشاهد عند الاقتضاء، وأوجبت الأيمان وغلظتها حيث يجب التغليظ، وألغت إقرار المكره، ولم تعتبر إلا إقرارًا في حالة طوع واختيار وحرية، واشترطت شروطا خاصة فيمن يتولى القضاء من علم وروع ونزاهة واستقامة إلى آخر ما هو معروف في كتب الأحكام والقضاء.
بعد عرض التقسيمين السالفين للعقوبة والجهة المطالبة باستيفائها فإن تقسيمًا ثالثًا ناشئًا عن طبيعة الجناية وهو لابن رشد الحفيد في (بداية المجتهد) .
حيث قسمها إلى خمسة أنواع: جنايات على الأبدان والنفوس والأعضاء، وجنايات على الفروج، وجنايات على الأموال، وجنايات على الأعراض، وجناية بالتعدي على استباحة ما حرم الشرع من المأكول والمشروب قائلًا: إن هذه هي الجنايات التي لها حدود شرعية ولا أراني بحاجة إلى تفصيل أحكام الجنايات ومستوجبات الحدود ومواقع التعزير، اكتفاء بالتأصيل عن التفريع، وبالتعريف بالحد عن التوصيف والعد، فذلك معروف في كتب الفقه ومدونات الأحكام.