فمن المعروف أن الجريمة تنشأ عن معصية الله تعالى ومخالفة أمره مجردًا عن حق الآدمي أو ملتبسًا باعتداء على آدمي، لأن كل اعتداء على الغير هو معصية لله لا العكس، فقد توجد معصية دون أن يكون فيها عدوان على الغير، كترك الفرائض وشرب المسكر، إلا أنها في حقيقة أمرها تحمي المجتمع بالمحافظة على الخلق القويم، والذي بدونه تسود ثقافة العنف وتنمو شجرة الحقد" (١) .
التشديد في العقوبة في بعض الجرائم وهي التي تسمى جرائم الحدود، ونحن في الشريعة نفرق بين جرائم الحدود وجرائم التعزير، فالأولى محدودة العقاب محدودة العدد من طرف الشارع، أما جرائم التعزير فلم يحدد الشارع لها عقابًا معينًا، بل ترك أمرها لاجتهاد القاضي يراعي الظروف المخففة أو العكس، ليعامل كل حالة على حدة من باب ما يسمى بتفريد العقوبة، كانتشال المال خلسة من صاحبه الذي لم يضعه في حرز، وكغصبه مما لا يعد سرقة في عرف فقهاء الشريعة.
ثم إن تشديد العقوبة قوبل بالتشدد في وسائل الإثبات حيث إن بعض الجرائم لا بد فيها من أربعة شهود، ولو أقر صاحبها وتراجع عن قراره أو هرب من المحكمة ترك، كجريمة الفاحشة، حتى يكاد البعض يجزم أن التجريم إنما هو للتهديد والتحذير، وهو أصل معروف حتى في القوانين الغربية، وكذلك فإن القاضي لا يحكم بعلمه في القضايا، فاقتناعه لا يكفي في القانون، بل لابد من وسائل إثبات قاطعة، إبعادًا للقاضي عن تهمة الحيف، فلو رأى شخصًا يسرق ما كان له أن يحكم عليه إلا باعتراف أو بشهادة مقنعة.
وفي الحقيقة فإن معايير التجريم مسألة نسبية كما يعترف به فقهاء قانون الغرب.
فبماذا يعتبر الفعل جرمًا؟
إن عامل الأخلاق والنظام العام والنكير الاجتماعي؛ كل أولئك الثلاثة يعتبر أساس التجريم.