للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقي أن نضيف كلمة عن عقوبة الإعدام والسجن المؤبد، ولعلنا هنا نستعير من د. إبراهيم المرزوقي في قوله:

"إن عقوبة الإعدام - وما تسببه من الرعب النفسي - وعقوبة الأشغال الشاقة والتي تتسبب في المعاناة الجسمانية - وما زالتا مطبقتين في كثير من الدول، وعليه يمكن القول بأن (قاعدة الحد الأدنى في معاملة المساجين) لم تحسن بعد أمر كل أنواع العقوبات المشددة، يمكن استنتاج أن معيار (الحد الأدنى) من العقوبة القانونية - من حيث التقليل من المعاناة النفسية والبدنية عن الشخص موضوع العقاب - ليس معيارًا واقعيًّا، لأنه لا يشكل رادعًا كافيًّا لتوفير الأمن والحماية اللازمة للمجتمع، والبرهان على ذلك هو تصاعد نوع وعدد الجرائم التي تشهد تلك الدول التي لا تطبق العقوبات البدنية على مجرميها، وحيث إن تلك الزيادة في الجرائم تعني ازدياد التهديد الموجه إلى أمن واستقرار المجتمع فإن على تلك الشعوب أن تختار بين العقوبات الرادعة للدفاع عن الصالح العام، أو التضحية بتلك المصالح وترك العنان للمجرمين لتدمير المجتمع كما يحلو لهم، وعليه فالتردد الذي تبديه بعض الدول - في عدم إلغائها للعقوبات البدنية - يمكن تبريره بحماية أمن شعوبها، ولا يمكن اتهام أي نظام قانوني بالقسوة، حينما ينحاز إلى تفضيل الصالح العام، ذلك لأن مدى الإنسانية والرحمة الذي يحققه القانون هنا بذلك التفضيل يكون أعظم كثيرًا من بعض الأضرار العقابية المستحقة التي يتكبدها المجرمون كنتيجة عادلة لما اقترفته أيديهم " (١) .

ويضيف المرزوقي في محل آخر من كتابه مقارنة بين النتائج المجتناة من تطبيق الشريعة الإسلامية وبين تلك الناشئة عن التراخي فيها قائلًا:

"ولذا فإننا نجد أن معدل الجريمة يرتفع بشكل مخيف في المجتمعات الحديثة، وبالتالي يزداد عدد الضحايا وتزداد انتهاكات الحقوق ويتفاقم الاعتداء عليها، مما يؤدي بالتالي إلى تقليص الحقوق وتضييق حدود الحريات التي يجب أن يتمتع بها الناس".

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن عدد حالات العقوبة المنفذة في الجرائم الكبرى (الحدود) في المملكة العربية السعودية مثلًا قليل لدرجة تعكس المعدل المنخفض لحدوث تلك الجرائم، خاصة إذا تمت المقارنة بمعدل ارتكاب مثل هذه الجرائم في بعض البلدان الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى.


(١) المرزوقي، ص ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>