إن الارتفاع النسبي لمعدل الجريمة في البلدان التي تتراخى في تطبيق الشريعة الإسلامية إنما يدل على ضعف عامل الردع في العقوبات المفروضة، وعلى الإخفاق في تطبيق العقوبات بما يتناسب مع خطورة الجرائم التي تتم بالإدانة فيها، فمقابل كل جريمة ترتكب هناك حق - سواء فردي أو جماعي - ينتهك، وعندما يردع تطبيق القانون المجرمين فإن في ذلك حماية للحقوق والحريات، وهنا يظهر على الأقل نوع من التبرير لتلك العقوبات التي قد تبدو قاسية في ظاهرها، أما عندما يفشل القانون بنصه وروحه وتطبيقه في الردع فإنه يخفق أيضًا في حماية الحقوق الشخصية والجماعية ويفشل بالتالي في حماية الصالح العام، وعليه يثور التساؤل عن جدوى تلك القوانين والأنظمة وما حاجة الناس إلى ضجيجها؟ وهذا ينطبق على كثير من القوانين الحديثة وتعديلاتها التعجيزية المتتالية دونما فائدة تذكر.
إن ما يحققه التشريع الإسلامي في خلق مجتمعات آمنة مستقرة واثقة من حماية حقوقها يدحض الادعاءات المثارة حول قسوة نظام العقوبات الإسلامي، فإذا لم تعتبر مثل تلك الادعاءات مغرضة، فهي على الأقل لا أساس موضوعي لها (١) .
الغاية الكبرى والهدف الأسمى لأي تشريع جنائي هو تقليل الجريمة، والحد من الإجرام، للمحافظة على حقوق الإنسان في الحياة والأمن وحقه في المحافظة على ملكيته وحقه في صيانة نسله، وهو حق لم يراع بما فيه الكفاية في التشريع الجنائي الوضعي، وبقدر ما ينجح في المحافظة على هذه الحقوق يكون نجاحه وفشله.
وبهذا يكون التشريع الإسلامي بثوابته المستقرة في الحدود ومرونته في التعزير يلبي المصالح الأساسية للإنسان ويحقق عمليًّا الغاية من حقوق الإنسان.